هل يجوز الدعاء بـ (اللهمَّ لا أسألك ردَّ القضاء إنما اسألك اللطف فيه)؟
الفتوى رقم 2896 السؤال: السلام عليكم، هل يجوز الدعاء بـ (اللهمَّ لا أسألك ردَّ القضاء إنما اسألك اللطف فيه)؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
هذا الدعاء لم يَرِدْ في السُّنَّة النبويَّة، وفيه مخالفة لما ورد في السُّنَّة النبويَّة الصحيحة الثابتة؛ لحديث الترمذيّ في سننه بسند حسَن عن سلمانَ الفارسيِّ رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ”.
يقول العلَّامة جلال الدين السيوطيُّ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى- في كتابه “الحاوي للفتاوى” (1/387): “وأما كونه سببًا لدفع البلاء -أي الدعاء- فهو أمر لا مِرْيَةَ فيه؛ فقد وردت أحاديثُ لا تُحصى في أذكار مخصوصة مَن قالها عُصم من البلاء، ومن الشيطان، ومن الضُرّ، ومن السُّمّ، ومن لدعة العقرب، ومن أن يصيبه شيء يكرهه”. انتهى.
وقال العلَّامة الـمُـناوي -رحمه الله- في كتابه “فيض القدير شرح الجامع الصغير” (6/449): “أراد بالقضاء هنا الأمر المقدَّر لولا دعاؤه، أو أراد بردِّه تسهيلَه فيه حتى يصير كأنه ردّ، وقال بعضهم: شرع الله الدعاء لعباده لينالوا الحظوظ التي جُعلت لهم في الغيب، حتى إذا وصلت إليهم فظهرت عليهم توهَّم الخلق أنهم نالوها بالدعاء فصار للدعاء من السلطان ما يردّ القضاء”. انتهى.
وقال المباركفوري -رحمه الله- في كتابه “تحفة الأحوذي” (5/575): “القضاء هو الأمر المقدَّر، وتأويل الحديث أنه إن أراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه به ويتوقَّاه، فإذا وُفِّقَ للدعاء دفعه الله عنه، فتسميته قضاء مجاز على حسب ما يعتقده المتوقّى عنه، يوضحه قوله ﷺ في الرقى: “هو من قَدَرِ الله”، وقد أمر بالتداوي والدعاء مع أن المقدور كائن لخفائه على الناس وجوداً وعدماً…… أو أراد بردّ القضاء إن كان المراد حقيقته تهوينه وتيسير الأمر حتى كأنه لم ينزل، يؤيده ما أخرجه الترمذيُّ من حديث ابن عمر: “أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل”. وقيل: الدعاء كالترس والبلاء كالسهم، والقضاء أمر مُبْهَمٌ مقدَّر في الأزل”. انتهى.
وأيضاً ينبغي للمسلم أن يدعو الله وهو موقن، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهمّ اغفر لي إن شئت، ولكن لِيَعْزِمِ المسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغبة، فإن الله لا يَتَعَاظَمُهُ شيء أعطاه”. وروى الطبريُّ في تفسيره والبخاريُّ في تاريخه، والحافظ ابن كثير في مسند الفاروق وحسَّن إسناده: “أن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوفُ بالبيت وهو يبكي، ويقول: اللهمَّ إن كنتَ كَتَبتنا عندك في شِقوة وذنب، فإنَّك تمحو ما تشاء وتُثْبِتُ، وعندك أُمُّ الكتاب، فاجعلها سعادةً ومغفرة”. وأيضاً فإن الله لطيف بعباده في كل قضاء قضاه، قال تعالى: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) [سورة الشورى الآية: 19].
وعليه: فلا ينبغي أن يدعو المسلم بهذا الدعاء.
والله تعالى أعلم.