هل يكفر من سبَّ الإمام عليًّا كرَّم الله وجهه؟
الفتوى رقم: 1820 السؤال: هل يكفر من سبَّ الإمام عليًّا كرَّم الله وجهه؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
اعلم -أخي السائل- أن سيدنا عليَّ بنَ أبي طالب من كبار صحابة رسول الله ﷺ، وأهل السُّنَّة والجماعة مُجمِعون على ولاية سيدنا عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه، بمعنى: أنه وليٌ لله تعالى ولا شكَّ في ذلك، لأنه من السابقين للإسلام الذين قال الله سبحانه فيهم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة التوبة الآية: 100] وتكفي شهادة النبيِّ ﷺ له في عدة أحاديث منها: ما رواه أحمدُ والترمذيُّ وابن ماجه والبيهقي بأسانيدَ صحاح. قال رسول الله ﷺ: “أليس الله بأَوْلى بالمؤمنين؟ قالوا: بلى، قال: اللهم مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه.” فالصحابة لهم مكانة عظيمة في الإسلام؛ فالواجب على المسلم أن يحبَّ كل صحابة رسول الله ﷺ ويُجِلَّهم ويترضَّى عنهم، ويُنزلهم المنزلةَ اللائقة بهم.
وقد ورد تحريم سبِّ الصحابة رضي الله عنهم في السُّنَّة النبويَّة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: “لا تسبُّوا أصحابي، لا تسبُّوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه”. قال الإمام النوويُّ -رحمه الله- في شرح على صحيح مسلم: “واعلم أن سبَّ الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرَّمات، سواء من لابَسَ الفتنَ منهم وغيره؛…. قال القاضي -عياض المالكي-: وسبُّ أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزَّر، ولا يقتل. وقال بعض المالكيَّة: يقتل. لقوله ﷺ: “لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه”…، ومعناه لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ ثوابُه في ذلك ثوابَ نفقة أحد أصحابي مُدًّا، ولا نصف مُدّ. قال القاضي: ويؤيد هذا ما قدَّمناه في أول باب فضائل الصحابة عن الجمهور من تفضيل الصحابة كلِّهم على جميع مَن بعدهم. وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال، بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته ﷺ وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم، وقد قال الله تعالى: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً) [سورة الحديد الآية: 10]، هذا كلُّه مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودُّد والخشوع والتواضع والإيثار والجهاد في الله حقَّ جهاده، وإن فضيلة الصحبة، ولو للحظة لا يوازيها عمل، ولا تُنال درجتُها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، قال القاضي: ومن أصحاب الحديث مَن يقول: هذه الفضيلة مختصَّة بمن طالت صحبته، وقاتل معه، وأنفق وهاجر ونصر، لا لمن رآه مرة كوفود الأعراب أو صحبه آخِرًا بعد الفتح، وبعد إعزاز الدِّين ممن لم يوجد له هجرة، ولا أثَّر في الدِّين ومنفعة المسلمين. قال: والصحيح هو الأول، وعليه الأكثرون. والله أعلم”. انتهى.
واعلم أن سبَّ الصحابة دليل على نفاق السابِّ فقد قال إمام أهل السنة أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله تعالى- في بيان عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة المشهورة: “ونُحِبُّ أصحابَ رسول الله ﷺ، ولا نُفرط في حبِّ أحد منهم، ولا نتبرَّأ من أحد منهم، ونُبغض مَن يُبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبُّهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان”. اهـ.
والسؤال: هل يخرج من الإسلام مَن سبَّ سيِّدنا عليًّا أو الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؟ -مع التنبيه أن سبَّ – تنقيصهم – الصحابة ليس على مرتبة واحدة، بل له مراتب متفاوتة، فإنَّ سبَّ الصحابة أنواع؛ فمنها سبٌّ يطعن في عدالتهم، ومنها سبٌّ لا يوجب الطعن في عدالتهم، وقد يكون السبُّ لجميعهم أو أكثرهم، وقد يكون لآحادهم، وقد يكون هؤلاء الآحاد ممن تواترت النصوص بفضلهم، وقد يكونون دون ذلك.
فمن استحلَّ سبَّ الصحابة -ومنهم سيدنا علي رضي الله عنه- كَفَرَ؛ لأنه من إنكار ما عُلم من الدِّين بالضرورة، ومَن سبَّ جميع الصحابة أو جمهورهم إلا نفرًا يسيرًا، أو سبَّ واحدًا لصحبته فقد كفر. يقول الإمام السُّبكيُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في كتابه: “الفتاوى”: “إنْ سَبَّ الجميعَ بلا شك أنه كفر، وهكذا إذا سبَّ واحدًا من الصحابة حيث هو صحابي؛ لأن ذلك استخفاف بحقِّ الصحبة، ففيه تعرُّض إلى النبيِّ ﷺ، فلا شك في كفر السابِّ… إلى أن قال: ولا شكَّ أنه لو أبغض واحدًا منهما -أي الشيخين أبي بكر وعمر- لأجل صحبته فهو كفر، بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته كان كافرًا قطعًا. اهـ. وقد يكون السَّبُّ دون ما ذكرنا، فلا يصل بصاحبه إلى الكفر، وإن كان فاسقًا باتفاق العلماء.
والله تعالى أعلم.