الفتوحات الربانية بالصلاة على النبيِّ محمَّد ﷺ شيء مُدْهِش.. هل هذا الكلام جائز شرعًا، أم أنه بدعة من البدع؟
الفتوى رقم: 1392 السؤال: (الفتوحات الربانية بالصلاة على النبيِّ محمَّد ﷺ شيء مُدْهِش في الاستنارة والرزق والتشافي وتيسير الأمور، وهي مجرّبة بالمدوامة والإكثار منها)، هل هذا الكلام جائز شرعًا، أم أنه بدعة من البدع؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
لا حرج في هذا الكلام؛ ففضل الصلاة على سيِّدنا محمَّد ﷺ وآثارها على القلوب والعقول وقضاء الحوائج أمر لا مِرْيَةَ فيه، وقد جاءت الآيات والأحاديث في فضل الصلاة والسلام على الحبيب محمَّدٍ ﷺ؛ قال جلَّ ثناؤه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [سورة الأحزاب الآية:56].
وأما الأحاديث فمنها: ما أخرجه مسلمٌ وأبو داودَ والترمذيُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبيُّ ﷺ: “من صلَّى عليَّ واحدة صلَّى الله عليه بها عشرًا”. ومنها: ما أخرجه أحمدُ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: “صلُّوا عليَّ فإنها زكاة لكم، وسَلُوا لي الوسيلة من الجنة.” ومنها: عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: “قلت يا رسول الله، سجدتَ سجدة خشيتُ أن يكون اللهُ قد قبض روحَك فيها. فقال: إن جبريل أتاني فبشرني أن الله عزَّ وجلَّ يقول لك: من صلَّى عليك صلَّيت عليه، ومن سلَّم عليك سلَّمت عليه. فسجدت لله شكرًا”. رواه أحمد وغيره. ومنها: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ: قُلْتُ: الرُبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرْ لَكَ ذَنْبُكَ. قال الترمذيُّ: حديث حسن صحيح.
قال الملَّا علي القاري الحنفي في كتابه “مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” (16و17 /4): “(أجعل لك صلاتي كلَّها) أي أصرف بصلاتي عليك جميعَ الزمن الذي كنت أدعو فيه لنفسي. (تُكفى همَّك) قال الأبهري: أي إذا صرفت جميع زمان دعائك في الصلاة عليّ كُفِيت ما يهمُّك. وقال التوربشتي: معنى الحديث كم أجعل لك من دعائي الذي أدعو به لنفسي. فقال: (إذًا تُكفى همَّك) أي ما أهمَّك من أمر دينك ودنياك؛ وذلك لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله وتعظيم الرسول، والاشتغال بأداء حقَّه عن أداء مقاصد نفسه”. انتهى باختصار. وقال ابنُ علَّان الصِّدِّيقيُّ الشافعيُّ في كتابه “دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين” (5/6-7): “ووجه كفاية المهمات بصرف ذلك الزمن إلى الصلاة عليه: أنها مشتملة على امتثال أمر اللّه تعالى، وعلى ذكره وتعظيمه، وتعظيم رسوله، ففي الحقيقة لم يَفُتْ بذلك الصرف شيء على المصلِّي، بل حصل له بتعرُّضه بذلك الثناءِ الأعظم أفضلُ مما كان يدعو به لنفسه، وحصل له مع ذلك صلاة اللّه وملائكته عليه عشرًا، مع ما انضم لذلك من الثواب الذي لا يوازيه ثواب، فأيّ فوائد أعظم من هذه الفوائد ؟ ومتى يظفر المتعبِّد بمثلها، فضلًا عن أنفَسَ منها؟ وأنَّى يوازي دعاؤه لنفسه واحدةً من تلك الفضائل التي ليس لها مماثل؟” انتهى بتصرف.
وقد كُتبت كتبٌ كثيرة في فضائل الصلاة على رسول الله ﷺ وثوابِها، يمكن الرجوع إليها لمن أراد التوسُّع؛ منها: “كتاب الصلاة على النبي” لابن ابي عاصم، “وأنوار الآثار المختصة بفضل الصلاة على النبيِّ المختار” للأقليشي و”القربة إلى ربِّ العالمين بالصلاة على محمَّد سيد المرسلين” لابن بشكوال و”جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام” للعلَّامة ابن قيِّم الجوزيَّة، وكتاب “القَولُ البَدِيعِ في الصَّلاةِ عَلَى الحَبِيبِ الشَّفِيعِ” للإمام السَّخَاوِيِّ الشافعيّ. وغيرها من الكتب.
والله تعالى أعلم.