تلاوة القرآن على نية النجاح أو الشفاء.. أو إهداء ذلك لشخص

الفتوى رقم: 1370 السؤال: ما حكم من يقرأ سورة يس أو ختمة قرآن، جماعية أو فردية، على نية إهداء ذلك لشخص، يعني ممكن تكون نية تحقيق نجاح، أو شفاء مريض، أو تحقُّق نصر وغيره من الأمور؛ لأن المجموعات والصفحات لقراءة سور معيَّنة على نية معيَّنة قد انتشرت كثيرًا، ولا يوجد من أحد ينسب هذا الأمر للاسلام أو للرسول ﷺ، ولكن تحديد النوايا وببركة القرآن أن يدعوَ الله بهذا الشيء وتتم القراءة، وهذا من وجهة نظر الأشخاص الذين يعملون بهذا الموضوع، فما الحكم؟ وكيف يمكن أن يتم تحسينه أو استبداله إذا كان به خلل؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

القرآن الكريم شفاء من كلِّ داء، وعاصم من كلِّ سوء، بإذن الله تعالى، قال عزَّ وجلَّ: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) [سورة فصلت الآية:44]، وقال سبحانه: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [سورة الإسراء الآية:82].

وقال ابن القيِّم -رحمه الله- في كتابه: “زاد المعاد في هدي خير العباد” ما نصُّه: “القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية، والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل ُّأحدٍ يؤهَّل ولا يوفَّق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدًا، وكيف تُقاوِم الأدواءُ كلامَ ربِّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها؟! فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه، وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهمًا في كتابه، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة العنكبوت الآية:5]. فمن لم يَشْفِه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله”. انتهى.

وروى الترمذيُّ في سننه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ ﷺ يقول: “من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس”. وفي الحديث أيضًا: “اقرؤوا القرآن واسألوا الله به”. رواه الترمذيُّ في سننه. قال العلَّامة المباركفوري -رحمه الله- في كتابه: “تحفة الأحوذيِّ شرح سنن الترمذيِّ”ما نصُّه: “فليسأل الله به، أي: فليطلب من الله تعالى بالقرآن ما شاء من أمور الدنيا والآخرة، أو المراد أنه إذا مرَّ بآية رحمة فليسألها من الله تعالى، وإما أن يدعوَ الله عقيب القراءة بالأدعية المأثورة”. اهـ.

بناء عليه: فقراءة القرآن الكريم على نية النجاح أو النصر لا حرج فيه، وهو من التوسُّل بالعمل الصالح.

وأما الختمة الجماعية فهي في الحقيقة ليست ختمة وإنما هي قراءة كلِّ شخص لجزء من القرآن الكريم، فلا مانع منها لكن لا تُعتبر ختمة للقرآن الكريم لكلِّ شخص.

وأما بالنسبة لإهداء ثواب قراءة القرآن الكريم للأحياء. فلا مانع منه، وقد نصَّ على ذلك الحنفيَّة والمالكيَّة وبعض الشافعيَّة والحنابلة. باختصار من “الموسوعة الفقهية الكويتية”. وكذلك الدعاء بعد الفراغ من قراءة القرآن الكريم بأن يشفيَ الله فلانًا المريض فلا مانع منه، فهو من هَدْيِ رسول الله ﷺ؛ فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أبي الدَّرْدَاءَ رضي الله عنه أن النَّبِيّ ﷺ قال: “دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ”. قال الإمام النوويُّ -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم: “وَفِي هَذَا فَضْلُ الدُّعَاء لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِظَهْرِ الْغَيْب، وَلَوْ دَعَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَة، وَلَوْ دَعَا لِجُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالظَّاهِرُ حُصُولُها أَيْضًا، وَكَانَ بَعْض السَّلَف إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِتِلْكَ الدَّعْوَة، لِأَنَّهَا تُسْتَجَاب، وَيَحْصُل لَهُ مِثْلهَا”. انتهى.

والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *