هل يُنسخ القرآنُ بالسُّنَّة النبويَّة؟
الفتوى رقم: 1365 السؤال: هل يُنسخ القرآنُ بالسُّنَّة النبويَّة؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
هذه المسألة قد فصَّل فيها علماء أصول الفقه في عشرات، بل مئات الصفحات، وفيها تفصيل طويل نوجزه بما يلي:
السُّنَّة النبويَّة إما أن تكون متواترة أو آحادية. فهل السُّنَّة النبويَّة المتواترة تنسخ القرآن الكريم، أم لا؟ ذهب الحنفيَّة والإمام مالك وأكثر المتكلِّمين إلى جواز نسخ القرآن بالسُّنَّة المتواترة؛ لأنه لا مانع عقلًا ولا شرعًا من ذلك؛ فالكلُّ وحيٌّ من الله تعالى، وإن كان للقرآن خصائص، وللسُّنَّة خصائص، لكنهما من مشكاة واحدة؛ كما قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [سورة النجم آية: 3- 4] وقد بوَّب الخطيب البغدادي -رحمه الله- في كتابه القيِّم “الكفاية في علم الرواية” ص23 بقوله: “باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى، وحكم سُنَّةِ رسول الله ﷺ، في وجوب العمل، ولزوم التكليف”، وأورد تحته حديثَ المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: “أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَانَ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ” رواه الترمذيُّ في سننه وقال: حسن غريب من هذا الوجه. وقال الخطيب البغدادي – رحمه الله- أيضًا في “الكفاية ” ص30: “والسُّنَّة مبيِّنة لما أُجمل في كتاب الله؛ تخصِّص عمومه، وتقيِّدُ مُطلَقه، وتبيِّن الناسخ من المنسوخ فيه، حتى قال إمام التابعين مكحول -رحمه الله-: “القرآن أحوجُ إلى السُّنَّة من السُّنَّة إلى القرآن”. انتهى. وذهب الإمام الشافعيُّ والإمام أحمد -في إحدى الروايتين عنه- إلى عدم جواز نسخ القرآن بالسُّنَّة المتواترة، ولكلٍّ من القولين الحجج والأدلة.
وأما نسخ القرآن بسُنَّة الآحاد فقد اختُلف في هذا النوع من النَّسخ أيضًا، وممن أيَّد المنعَ من المتأخِّرين العلَّامة الزُّرقاني -رحمه الله تعالى-؛ فقد قال في كتابه: “مناهل العرفان في علوم القرآن” (2/241): “أما خبر الواحد فالحقُّ عدم جواز نسخ القرآن به للمعنى المذكور، وهو أنه ظنِّيٌّ، والقرآن قطعيٌّ، والظنِّيُّ أضعف من القطعي؛ فلا يَقوى على رفعه. والقائلون بجواز نسخ القرآن بالسنة الآحادية -اعتمادًا على أن القرآن ظنيٌّ الدلالة- حجتهم داحضة؛ لأن القرآن إن لم يكن قطعيَّ الدلالة فهو قطعيُّ الثبوت، والسنة الآحادية ظنيَّة الدلالة والثبوت معًا؛ فهي أضعف منه، فكيف ترفعه؟!” انتهى. وهذا القول هو قول جمهور الأصوليين، وقد خالفهم أهل الظاهر.
والله تعالى أعلم.