خالط عملي شيء من الرياء، ثمّ راجعت نفسي وصحَّحت النية، هل يُحسب العمل والنية مصحَّحة؟

الفتوى رقم: 1119 السؤال: إذا عملت عملَ خيرٍ أيًّا كان، وخالط النيةَ شيءٌ من الرياء، ثم بعدما انتهيت من العمل فورًا راجعت نفسي وصحَّحت النية، هل يُحسب العمل والنية مصحَّحة، أم لا؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبيِّ ﷺ قال “يقول الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركَه”، وقال الله تعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [سورة الفرقان آية:70 ] يقول الحافظ المفسِّر ابن كثير رحمه الله في تفسيره:” في معنى قوله تعالى: (يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) قولان:

أحدهما: أنهم بدَّلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) قال: هم المؤمنون، كانوا من قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك فحوَّلهم إلى الحسنات، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات..

وقال الحسن البصري: أبدلهم الله بالعمل السيِّئ العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصًا، وأبدلهم بالفجور إحصانًا وبالكفر إسلامًا..

والقول الثاني: أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، وما ذاك إلا أنه كلما تذكَّر ما مضى ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذنبُ طاعةً بهذا الاعتبار. فيوم القيامة وإنْ وجده مكتوبًا عليه، لكنه لا يضره وينقلب حسنة في صحيفته، كما ثبتت السُّنَّةُ بذلك، وصحَّتْ به الآثار المرويَّة عن السلف، رحمهم الله تعالى -وهذا سياق الحديث- قال الإمام أحمد: ..عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: “إني لأعرف آخر أهل النار خروجًا من النار، وآخر أهل الجنة دخولًا إلى الجنة: يؤتى برجل فيقول: نَحُّوا كِبَارَ ذنوبه وسَلُوه عن صغارها، قال: فيقال له: عملت يوم كذا وكذا كذا، وعملت يوم كذا وكذا كذا؟ فيقول: نعم -لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئًا- فيقال: فإن لك بكل سيئة حسنة. فيقول: يا رب، عملت أشياء لا أراها ها هنا. قال: فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذُه”. وانفرد به مسلم.

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: ..عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: “إذا نام ابن آدم قال المَلَكُ للشيطان: أعطني صحيفتك. فيعطيه إياها، فما وجد في صحيفته من حسنة محا بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان، وكتبهن حسنات، فإذا أراد أن ينام أحدكم فليكبِّر ثلاثًا وثلاثين تكبيرة، ويحمد أربعًا وثلاثين تحميدة، ويسبح ثلاثًا وثلاثين تسبيحة، فتلك مائة “.. وقال ابن أبي حاتم: ..عن أبي الضيف -وكان من أصحاب معاذ بن جبل- قال: “يدخل أهل الجنة الجنة على أربعة أصناف: المتقين، ثم الشاكرين، ثم الخائفين، ثم أصحاب اليمين. قلت: لم سُمُّوا أصحاب اليمين؟ قال: لأنهم عملوا الحسنات والسيئات، فأُعطوا كتبَهم بأَيْمانهم، فقرؤوا سيئاتهم حرفًا حرفًا – قالوا: يا ربنا، هذه سيئاتنا، فأين حسناتنا؟. فعند ذلك محا الله السيئات وجعلها حسنات، فعند ذلك قالوا: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) [سورة الحاقة الآية: 19 ]، فهم أكثر أهل الجنة.. وقال أيضًا: ..عن مكحول قال: “جاء شيخ كبير هَرِمٌ قد سقط حاجباه على عينيه، فقال: يا رسول الله، رجل غدر وفجر، ولم يَدَعْ حاجةً ولا دَاجَةً إلا اقتطعها بيمينه، لو قُسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم، فهل له من توبة؟ فقال له رسول الله ﷺ: ” أسلمت؟” قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله. فقال النبيُّ ﷺ: ” فإن الله غافر لك ما كنت كذلك، ومبدل سيئاتك حسنات “. فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ فقال: ” وغدراتك وفجراتك “. فولَّى الرجل يهلِّل ويكبِّر”. انتهى

بناء عليه: فإن فضل الله عزَّ وجلَّ عميم، ورحمته واسعة، وعفوه عن عبده التائب حاصل، فطالما أن العبد تاب وأناب وندم عمَّا فرّط، فالله تعالى سَيَمُنُّ عليه بالأجر والثواب ومحوِ السيئات.

والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *