هل المنيّ طاهر أن نجس؟

الفتوى رقم:114: السؤال: السلام عليكم، هل المَنِيُّ طاهر، أم نجس؟ إذا كان طاهرًا فكيف يخرج من مخرج البول، وإذا كان نجسًا فكيف خُلق منه الإنسان؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

أخي السائل: المنِيُّ باعتباره سائلًا مائعًا اختلف العلماء في حكم طهارته، وهذا الاختلاف سببه الأدلة التي هي ظنية الدلالة، كما قال علماء الأصول.

وأما كون الإنسان خُلق من هذه المادة فكلامٌ ليس على إطلاقه؛ فالإنسان خُلق من المنيّ ومن ماء ـــــ بويضة ـــ المرأة فحصل التلاقح، ثم كان أمر الله تعالى فأصبح شيئًا جديدًا، كما قال تعالى في كتابه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) سورة المؤمنون الآيات: 12و13و14.

وأخرج الإمام أحمدُ في مسنده، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حدَّثنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو الصادق المصدوق: ” إنَّ أحدَكم لَيُجْمَعُ خلقُه في بطن أمِّه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسَل إليه الملَك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وهل هو شقي أو سعيد، فو الذي لا إله غيره، إن أحدكم لَيَعْمَلُ بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها “.

واعلم ـــ أخي ـــ أن القول بطهارة المني هو الراجح من حيث الدليل؛ قال الإمام النوويُّ الشافعيُّ رحمه الله في: “شرحه على صحيح مسلم” ( 3/198) ذهب كثيرون إلى أن المني طاهر. روي ذلك عن عليِّ بن أبي طالب، وسعدِ بن أبي وقاص، وابنِ عمرَ، وعائشةَ، وداود ـــــ أي: الظاهري ـــ وأحمدَ في أصحِّ الروايتين، وهو مذهب الشافعيِّ وأصحابِ الحديث ” انتهى.

ويُنظر” فتح الباري” لابن حجر( 2/332) وقد دلَّ على طهارته أدلة كثيرة منها: ما روى مسلم في “صحيحه” عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قالت: “وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ ” ومعلوم أن الفرك لا يكفي لإزالة النجاسة، فدلَّ ذلك على طهارته.

ومعلومٌ أيضًا: “أن هذا الماء هو أصل عباد الله المخلَصين من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وتأبى حكمة الله تعالى أن يكون أصل هؤلاء البررة نجسًا” انتهى من “الشرح الممتع” لابن عثيمين (1/388).

وأما عن كونه يخرج من مخرج البول، فمعلوم أنه قبل خروج المني يخرج المذي ــــ وقد اختُلف في طهارته ــــ وقد أجاب ابن قدامة رحمه الله عن هذا السؤال؛ حيث قال في “المغني”( 1|413): “وروي عن أحمدَ ــــ رحمه الله ــــ “أنه (أي المذي) بمنزلة المني” (أي كلاهما طاهر). قال ــــ في رواية محمد بن الحكم ــــ إنه سأل أبا عبد الله (الإمام أحمد) عن المذي أشد أو المني؟ قال (الإمام): “هما سواء: ليسا من مخرج البول، إنما هما من الصُّلب والترائب، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو عندي بمنزلة البصاق والمخاط”. وذكر ابن عقيل نحو هذا. وعلّل بأن المذي جزء من المني، لأن سببهما جميعًا الشهوة، ولأنه خارجٌ تخلَّله الشهوة أشبه المني». انتهى.

ومسألة ـــ طهارة المذي ــــ اختلف فيها الصحابة والتابعون، فقد أورد الإمام مالك رحمه الله في الموطأ (1|41)، قال: “باب الرخصة في ترك الوضوء من المذي” عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه سمعه ورجل يسأله، فقال: إني لأجد البلل وأنا أصلي، أفأنصرف؟ فقال له سعيد: “لو سال على فخذي، ما انصرفت حتى أقضيَ صلاتي”. أي أن سعيدًا لا يرى المذيَ نجسًا. وروى عبد الرزاق في مصنَّفه( 1|160): عن ابن عُيَيْنَةَ، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، قال: “إني لأجد المذي على فخذي ينحدر وأنا أصلي، فما أبالي ذلك”. وقال سعيد، عن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه: “إني لأجد المذي على فخذي ينحدر وأنا على المنبر، ما أبالي ذلك». وعن الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد المسيب، قال: “لو سال على فخذي، ما انصرفت”، (قال يحيى): يعني المذي. وعن ابن عيينة، عن ابن عجلان، قال: سمعت عبد الرحمن الأعرج يقول: قال عمر ـــــ وهو على المنبرـــــ : “إنه لينحدر شيء مثل الجمان أو مثل الخرزة، فما أباليه”. أي أن سعيد بن المسيب قد اختار لنفسه مذهب عمر في طهارة المذي.

وقد أجاب بعض العلماء في كون المني يخرج من مخرج البول، فيتنجَّس بآثار البول ـــ وعلى قول من يقول بأن المذي نجس ـــ وأُجيب عن ذلك بجوابين:

  • 1ــــ أن هذا مما عَفَا الشرع عنه.
  • 2ــــ وبأن ملاقاة النجاسة في الباطن لا تؤثر، وإنما تؤثر ملاقاتها في الظاهر. انظر:” المجموع ” للنووي (1/301 ،2/574.)

ولعل فيما ذكرناه كفاية في التوضيح. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *