وقفة تأمل لجمعية الاتحاد الإسلامي مع الحدث الإرهابي الفظيع في نيوزيلندا

وقفة تأمل لجمعية الاتحاد الإسلامي مع الحدث الإرهابي الفظيع في نيوزيلندا

يقول المفكر الإسلامي الكبير مالك بن نبي رحمه الله: “والغربي لا يحمل فضائله خارج عالمه. فخارج الحدود الأوربية لا يكون إنسانًا، بل أوربيًا”، وقد وُفّق بن نبي رحمه الله في هذا التوصيف الدقيق، واليوم مع تصاعد اليمين وتزايد موجات العنصرية والتطرف الغربية في وجه الإسلام والمهاجرين في الغرب، أصبح الغربيّ لا يحمل فضائله – إن وجدت- إلا بين أبناء عرقه وجنسه.

لقد فُجع كل حرٍ في هذا العالم، صبيحة الجمعة الخامس عشر من شهر آذار، بجريمة فظيعة بشعة، نفذها متطرف يميني أسترالي، استهدف فيها مسجدًا في نيوزلندا، وكان توقيت الهجوم بُعيد صلاة الجمعة، وارتقى على أثرها نحو 50 شهيدًا، ولم يتوقف فظاعة الفعل عند هذا الحدّ فقط، بل قام المعتدي ببثّ اعتدائه مباشرةً على الفيس بوك، وكتب على السلاح الذي استخدمه عبارات متطرفة، وتواريخ أحداثٍ ومعارك بين المسلمين والصليبيين من بلاط الشهداء حتى حصار فيينا الثاني زمن الدولة العثمانية.

ما جرى في هذا الحدث الإرهابي يشكل نموذجًا لعقلية غربية متجذرة، أن قتل الآخر والقضاء على أي وجود له هو الحلّ “الأسهل”، وخيار دائم لدى المحتل الغربي وقد شاهده العالم عيانًا خلال الحربين العالميتين، حيث راح ضحيتهما زهاء سبعين مليون إنسان.

وعلى الرغم من هذا الإرهاب الغربي الواضح، تصاعدت منذ بداية الألفية الثالثة لفظ “الإرهاب الإسلامي”، وأصبحت هذه العبارة لصيقة على أي حدث يجري في أصقاع الأرض، حتى صار الإسلام في الخيال الغربي رديفًا للقتل والإرهاب، وقد ذكى هذا التوجه امبراطوريات الإعلام في العالم الغربي، وما يشايعها من عالمنا، زخمٌ إعلامي هائل، يدفع نحو شيطنة أمة بأكملها، وجعلها في مهداف القتل والتدمير والاستباحة.

كتب المتطرف الأسترالي في وصيته فيما تناقلته وسائل الإعلام، أنه فعل ذلك لحماية (أوروبا) من الغزو الإسلامي، وسجل على بندقيته أسماء عددٍ من المتطرفين الذين أطلقوا النار سابقًا على مساجد في أوروبا، وكأن هذه العملية هي هدية منه لهم، إحياءً لما قاموا به من اعتداء على المسلمين.

لن نكرر براءة المسلمين من مثل هذه التهم التي تلصق فيهم صباح مساء، أو عن حجم الاستهداف الذي تحيكه الدول العظمى، ولكننا لا يمكننا أن ننفي أن التطرف الغربي هو أصلٌ في التعامل مع الدول الإسلامية خاصة، والمحتلة من قبل الغرب في وجه عام، فلم تكن محاكم التفتيش في الأندلس، التي استمرت زهاء ثلاث مئة عام إلا نموذجًا لهذا الإرهاب الصليبي، وراح ضحيتها ملايين المسلمين، ومن قبلها إطلاق شرارة الحروب الصليبية-الفرنجية من قبل الفاتيكان في روما، وما حدث بعدها في فلسطين وسواحل بلاد الشام، ولم تتوقف هذه الهجمة حتى اليوم، فمع احتلال أجزاء من الدولة العثمانية، فقد ذاق المسلمون من الهند حتى المغرب فظائع تقشعر لها الأبدان، وعمل الاستخراب الغربي على قمع وسحق أي محاولة إسلامية للنهوض مرةً أخرى.

وفي سياق هذا الاستهداف زرع الغرب الأوروبي في قلب عالمنا الإسلامي بؤرة للصراع والحرب، وأعطى لشراذم يهود أرضًا سُرقت من أهلها، وما زال يدفع طيلة سبعين عامًا بكل ما أوتي من قوة، ليكون هذا الكيان المسخ هو الأقوى في المنطقة، ويعمل الجميع للحفاظ على أمنه ووجوده، بل ويغطون جرائمه واستهدافه لكل مقدسات الأمة.

وفي العصر الحديث لم يعد قتل المسلمين واستهدافهم في هذا “الغرب المتحضر” جديدًا، فمن مجازر الصرب في البوسنة، وفي مقدمتها مجزرة سربنيتشا، إلى حوادث إحراق المساجد واستهداف المصلين، ومنع الأذان والنقاب والحجاب في العديد من البلدان، وصولًا إلى الاستهداف الإرهابي لمسلمي نيوزلندا، هي سلسلة متواصلة تحاول وقف تقدم المسلمين ونمو قدراتهم وحجم تأثيرهم، فكتلة المسلمين البشرية في أوروبا قوة فتية، سيكون لها شأن كبير في السنوات القادمة.

جريمة اليوم هي تأكيد متجدد على عدم الرهان على هذا الغرب في أي قضية عادلة، وبأن الرهان عليهم سيكون خاسرًا لا محالة، وأن محاولة الغرب تجميل صورته بمطالبات حقوق الإنسان والعدالة والحرية، مطالبات فارغة تقف عند دماء المسلمين، التي تسفك اليوم أنهارًا في سوريا واليمن وفلسطين وبورما والصين وفي مساجد الغرب.

ختامًا لن نطالب بأي محاكمة عادلة لهذا القاتل، حيث سيتم تجاوز هذه الحادثة بشكلٍ أو بآخر، وتعود الآلة الإعلامية الغربية لتسليط الضوء على أن الإرهاب “صنعة إسلامية”. ولم يعد كافيًا الاقتصار على الإدانة والشجب، أو السماح بجلد الذات وأن نعلن بشكلٍ انهزامي أن ديننا براء من كل حدث يجري في هذا العالم.

لن تضيع دماء المصلين هباءً، مهما غاب التضامن وقل التفاعل، وظلّ البكاء ردة فعلنا الوحيدة معاشر المستضعفين، ولسان حالنا منذ جرائمهم في الأندلس حتى جريمة نيوزلندا “لا غالب إلا الله”.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *