أحكام تلاوة القرآن للمرأة، وسجود التلاوة، وإمامة النساء: مسائل فقهية مختصرة

فتوى رقم 5076 السؤال: وردني خلال أحد اللقاءات بعض الأسئلة الفقهية، وأرجو من حضرتكم التفضُّل بالإجابة عنها عند الاستطاعة، وهي كالآتي:

  1. هل يجوز قراءة القرآن دون وضوء ودون ارتداء الحجاب، إذا كانت النية للعبادة وختم القرآن (تلاوة ختمة)؟
  2. وهل يجوز للمرأة قراءة القرآن للحفظ أو المراجعة دون وضوء ودون حجاب؟
  3. هل ثمة فرق بين التلاوة بنية العبادة (كختم القرآن) وبين التلاوة بنية الحفظ والمراجعة؛ من حيث الأحكام؟
  4. هل يجوز للمرأة أن تخلعَ حجابها أثناء اللقاء الإيماني إذا كان الحضور من الأخوات فقط؟
  5. هل يجوز للمرأة أن تَؤُمَّ غيرَها من النساء في صلاة الجماعة؟ وإن كان لا يجوز ذلك، فهل يشمل ذلك الصلواتِ جميعَها؟
  6. كيف تكون سجدة التلاوة؟ ومتى تُؤدى؟
  7. ما الفرق بين سجدة التلاوة وسجدة السهو من حيث السبب والكيفية؟

نرجو منكم التوضيح والإفادة، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بالنسبة للسؤال الأول: حكم مسِّ المصحف على غير وضوء. فقد اتفق الفقهاء على أنه يَحْرُمُ بالحدث -الأصغر أو الأكبر- مسُّ المصحف؛ لقول الله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [سورة الواقعة الآية: 79]، ولما ورد في كتاب سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعمرو بن حزم رضي الله عنه (أن لا يَمَسَّ القرآنَ إلا طاهر) (رواه مالكٌ في الموطَّأ مُرسَلاً، والحاكم في المستدرك وصحَّحه، وقال ابن عبد البَرِّ في التمهيد: هذا مشهور عند أهل العلم يُستغنى بشهرته عن الإسناد). واختلفوا في حكم مسِّه بحائل، كغلاف أو كُمٍّ أو نحوهما؛ فالمالكية والشافعية يقولون بالتحريم مطلقاً، ولو كان بحائل. والـمُفْتَى به عند الحنابلة جواز مَسِّ المصحف للمُحْدِث بحائلٍ مما لا يَتبَعه في البيع ككيس وكُمٍّ؛ لأن النهي إنما ورد عن مسِّه، ومع الحائل إنما يكون المسُّ للحائل دون المصحف. وأمّا الحنفية ففرَّقوا بين الحائل المنفصل والمتصل، فقالوا: يَحْرُم مسُّ المصحف للمُحْدِثِ إلا بغلاف متجافٍ -أي غير مَخيط- أو بصُرَّة. والمراد بالغلاف ما كان منفصلاً كالخريطة ونحوها، لأن المتصل بالمصحف يعتبر منه.

وعليه: يَحْرُم المسُّ للمصحف ولو بحائل، وهو مذهب الشافعية والمالكية، لكن إذا كان ثمَّةَ حاجة لمسِّه في حالة الحدث فليَكُنْ ذلك بحائل.

وأما بالنسبة للسؤال الثاني: وهو حكم قراءة القرآن من دون تغطية الرأس أو الالتزام بالحجاب الشرعي. فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجب تغطية الرأس أو لبس الحجاب الشرعي عند تلاوة القرآن الكريم في مكان لا يراها فيه الأجانب، لكن الأفضل والأحسن أن تلبس الحجاب الشرعي.

وأما بالنسبة للسؤال الثالث: وهو حكم قراءة أو تلاوة القرآن الكريم من دون وضوء؛ سواء للحفظ، أم للتلاوة. فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجب لقراءة القرآن حفظاً أو تلاوة الوضوء (هذا كلُّه من دون مسِّ أو حمل للمصحف كما ذكرنا سابقاً).

وأما بالنسبة للسؤال الرابع: وهو حكم خلع الحجاب أمام النساء المسلمات. معلوم أن عورة المرأة المسلمة أمام المسلمة هي من السرة إلى الركبة، هذا إن أُمِنَتِ الفتنة.                 

وعليه: فلا مانعَ من خلع غطاء الرأس والجلباب أمام النساء المسلمات، بشرط الأمن من التصوير، ومن رؤية الرجال الأجانب لها.

وأما بالنسبة للسؤال الخامس: وهو هل تَصِحُّ إمامة المرأة للنساء في الصلاة؟ لا مانعَ من إمامة المرأة للنساء فقط في الصلاة. 

وأما بالنسبة للسؤال السادس: أحكام سجود التلاوة، والفرق بينه وبين سجود السهو. سجود التلاوة مشروع. وحكمه: أنه مندوب إليه في الصلاة وخارجها عند تلاوة آية فيها سجدة أو سماعها. وقد ثبتت مشروعيته بالسُّنَّة النبوية؛ فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه “أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قرأ: (وَالنَّجْمِ) فسجد فيها، وسجدَ مَن كانَ معه”. وفي “الصحيحَيْن” من حديث أبي رافعٍ، قال: صلَّيتُ مع أبي هريرةَ العَتَمة -أي: العشاء- فقرأَ: ِ(إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) [سورة الانشقاق آية: 1]، فسجد فيها، فقلتُ: ما هذه؟ فقال: سجدتُ بها خلف أبي القاسِمِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فما أزالُ أسجدُ فيها حتَّى ألقاه.” ويُشترط لصحتها ما يُشترط للصلاة: من طهارة بدن وثوب ومكان، وتوجُّه نحو القِبلة، وسترٍ للعورة. ويُسَنُّ أن يقول في سجود التِّلاوة هذا الدعاء الذي رواه أبو داودَ والترمذيُّ في سننَيْهما عن عائشةَ -رضي الله عنها-، قالت: كانَ رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقولُ في سجودِ القُرآنِ: “سجدَ وجهي للَّذي خلقَه، وشقَّ سمعَه وبصرَه بحولِهِ وقوَّتِه، فتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخالِقين“. ولا حرجَ في أن يقول فيها: “سبحان ربي الأعلى”، كما في سجود الصلاة.ونصَّ الإمام النوويُّ رحمه الله تعالى في كتابه “روضة الطالبين وعمدة المفتين” (1/322) على أنه: “يستحب أن يقول في سجوده: سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره وشقَّ سمعه وبصره بحوله وقوته. وأن يقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا واجعلها لي عندك ذخرًا، وضع عني بها وزرًا، وتقبَّلها مني كما تقبَّلتها من عبدك داود عليه السلام. ولو قال ما يقول في سجود صلاته جاز، ثم يرفع رأسه مكبِّرًا، كما يرفع من سجود الصلاة”. انتهى. وأما مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم: فخمسة عشر موضعًا: فالمتفق عليها عند الفقهاء: في سورة الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، والحج، والنمل، والسجدة، والفرقان، وفصِّلت. والمختلَف فيها: السجدة الثانية في سورة الحج الآية: 77 (الشافعية والحنابلة اعتبروها سجدة، خلافًا للحنفية والمالكية). وسجدة سورة ص (عند الحنفية والمالكية خلافًا للشافعية والحنابلة)، ومن المفصَّل سجدات “النجم، والانشقاق، والعلق” (عند الشافعية والحنفية والحنابلة خلافًا للمالكية). باختصار من “الموسوعة الفقهية الكويتية” (34 / 221 ـ 216).

أما بالنسبة لأركان هذا السجود، فقد ذهب الشافعية إلى أن أركان سجود التلاوة -خارج الصلاة-: النية، وتكبيرة الإحرام، والسجدة -واحدة- والسلام.وأما في الصلاة فالنية فقط في حقِّ الإمام والمنفرد، بخلاف المأموم فإنه يتبع إمامه.والله تعالى أعلم.

ومن أراد التفصيل أكثر فليرجع إلى الكتب الفقهية المطوَّلة. وأما بالنسبة لسجود السهو فهو في الصلاة حصراً وهو مستحب عند الشافعية، وله أسباب؛ منها: ترك سنَّة من سُنن الصلاة البعضيَّة كالتشهُّد الأول -التحيَّات- والجلوس فيه، ودعاء القنوت في صلاة الفجر والقيام له،.. وغيرها من سُنن الأبعاض. ومن الأسباب الشكُّ في عدد الركعات فيبني على اليقين، وهو الأقل كمن شكَّ هل هو في الركعة الرابعة أم الثالثة؟ فيأتي برابعة ويسجد للسهو وثمة تفصيلات لذلك مبسوطة في كتب الفقه. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *