هل الاعتقاد بأن الصلاة باطلة قبل الأداء، وأثناء الأداء، وبعد الانتهاء يجعلها باطلة؟
فتوى رقم 4700 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل الاعتقاد بأن الصلاة باطلة قبل الأداء، وأثناء الأداء، وبعد الانتهاء يجعلها باطلة؟ وهل هذا الاعتقاد الذي يكون بداخل النفس يأخذ حكمَ قطعِ نية الصلاة؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بدايةً، فإنَّ السؤال فيه تناقض عجيب، فالأصل أن الإنسان يُحاسَب على ما يعتقده، وعندما نقول ما يعتقده يعني أنَّ علمه بذلك صار اعتقاداً جازماً، أو أن يَغلب على ظنه أن تلك المسألة الفقهية كذا، فمن اعتقد بطلان صلاته -سواء كان ذلك قبل أداء الصلاة، أو أثنائها، أو بعد الفراغ منها- وجب عليه أن يُعيدها إنْ أدَّاها، وأن يُزيل أو أن يَجتنب سبب بطلانها، وهذا باتفاق الفقهاء ولم نعلم فيه خلافاً. وأما إن كان المقصود بعبارة السؤال أن الشكَّ يطرأ على النفس بأن الصلاة باطلة فهذه مسألة أخرى، جوابها فيه تفصيل ذكره الفقهاء، ولها ارتباط بالنية وبغير النية.
وعليه: فإن كان المقصود الشكَّ، فاعلم أن الشكَّ في بطلان الصلاة بعد الفراغ منها أو قبل أدائها لا قيمة له ولا عبرةَ به ولا يترتب عليه أثر على الصلاة، وهو ما نصَّ عليه كثير من أهل العلم؛ منهم: الإمام النوويُّ -رحمه الله تعالى- في كتابه” المجموع”، والحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في كتابه “القواعد الفقهية”. وأما إذا طرأ الشكُّ أثناء الصلاة؛ فإن كان في النية أو في تكبيرة الإحرام بطلت الصلاة ووجب إعادتها، وهذا ما نصَّ عليه الشافعية في كتبهم المعتمدة في الفتوى. وأما إن كان الشكُّ في بقية الأركان وجب عليه أن يبنيَ على ما استيقنه، يعني على يقينه في ذلك الركن؛ لما رواه أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِي -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: “إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ”. رواه مسلمٌ في صحيحه.
وننبِّه إلى مسألة مهمة: وهي ما إذا كان هذا الشكُّ يتكرر مع ذلك المصلِّي، فمعنى ذلك أنه صار وسوسة لديه، فقد جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” ( 14/ 233 ): “الموسوَس هو مَن يَشُكُّ في العبادة ويَكْثُرُ منه الشكُّ فيها حتى يَشُكَّ أنه لم يفعل الشيء وهو قد فعله. والشكُّ في الأصل مُوجِب للعَوْدِ لِمَا شَكَّ في تركه، كمن رفع رأسه وشَكَّ هل ركع أم لا، فإنَّ عليه الركوع؛ لأن الأصل عدمُ ما شكَّ فيه، ولْيَبْنِ على اليقين. ومن شَكَّ في أنه صلَّى ثلاثًا أو أربعًا: جعلها ثلاثًا وأتى بواحدة، ويسجد للسهو. لكن إن كان موسوَسًا فلا يُلتفت للوسواس لأنه يقع في الحرج، والحرج منفيٌّ في الشريعة، بل يمضي على ما غلب في نفسه. تخفيفًا عنه وقطعًا للوسواس”. انتهى. ونصَّ الفقيه ابن حجر الهيتميُّ المكيُّ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى- في كتابه: “الفتاوى الفقهية الكبرى” (1/ 220) على أنه “فُرِّق بين الوسوسة والشكِّ بأنه -أي: الشك- يكون بعلامة، كترك ثيابِ مَن عادتُه مباشرةُ النجاسة، وترك الصلاة خلف مَن عادُته التساهلُ في إزالتها؛ لأن الأصل وهو الطهارة قد عَارَضَه غلبةُ النجاسة، والاحتياط هنا مطلوب، بخلاف الوسوسة فإنها: الحكم بالنجاسة من غير علامة، بأن لم يُعارِضِ الأصلَ شيء، كإرادة غَسْل ثوبٍ جديد أو اشتراه احتياطًا، وذلك من البدع كما صرَّح به النوويُّ في شرح المهذَّب، فالاحتياط حينئذ تركُ هذا الاحتياط. وبأن الموسوَس يقدِّر ما لم يكن كائنًا، ثم يحكم بحصوله، كأَنْ يتوهَّم وقوعَ نجاسة بثوبه ثم يحكم بوجودها من غير دليل ظاهر … “. انتهى.
وعليه: فإذا كان ذلك يتكرَّر كثيرًا، وبدون علامة تدلُّ على الشكِّ، فإن هذا يُعَدُّ وسوسةً فلا يُلتفت إليها – ولو كانت في النية وتكبيرة الإحرام -، ويُكمل صلاتَه ولا شيء عليه، أما إذا لم يكن كذلك -أي يحصل الشكُّ أحيانًا وله علامة- كـغفلة عن الصلاة يرجح أنه ترك ركناً (بخلاف النية وتكبيرة الإحرام، وقد ذكرنا حكمهما سابقاً) كالسجود مثلاً لم يحصل فيها، ففي هذه الحالة يجب الإتيان به ، فإنْ كان السجود في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة وحصل الشكُّ في الركعة الرابعة فيجب عليك أن تأتيَ بركعة خامسة كاملة. وأما لو كان الشكُّ في سجود الركعة الأخيرة فيكفي أن يستدرك السجود ثم يأتي بالتشهُّد الأخير والصلاة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم السلام. ويُستحب حينئذ الإتيان بسجود السهو قبل السلام، وهو عبارة عن سجدتين.والله تعالى أعلم.