اشتكيت من تقصير أحدى الموظَّفات في مكان العمل، حيث إن تقصيرها يمسُّني بشكل مباشر، فمن بعدها أصبحت لا تردُّ السلام. فهل يكفي أن أبادرَ بالسلام بنفسي كي لا يلحقني إثمُ هجرِ مسلم؟

فتوى رقم 4423 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اشتكيت من تقصير أحدى الموظَّفات في مكان العمل، ووضَّحت للإدارة أن شكايتي كانت لإيجاد حلٍّ، حيث إن تقصيرها يمسُّني بشكل مباشر، فمن بعدها أصبحت إذا التقيت بها لا تردُّ السلام. هي ليست من الأشخاص المحبَّبين إليَّ، ولكن لم أكن أقصد القطيعة ولا الإساءة. فهل يكفي أن أبادرَ بالسلام بنفسي إذا التقيت بها  كي لا يلحقني إثمُ هجرِ مسلم؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

الشكوى على هذه الموظَّفة كان ينبغي أن تكون بعد مصارحتها على انفراد بما تقوم به، فإن لم تستجب حينئذ يتمُّ تبليغ الإدارة بما تقوم به، وبما أن الشكوى قد حصلت، فينبغي أن تتواصلي معها وتشرحي لها الموقف، وأن هذا لمصلحتها، فإنْ أصرَّت على الهجر، فاذكري لها حديث البخاريّ ومسلم في صحيحَيْهما، أنّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا يحِلُّ لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيُعرض هذا ويعرض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام». وفي رواية أحمدَ وأبي داودَ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار». وروى مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «تُفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيُغفَر لكلّ عبد لا يُشرك بالله شيئًا، إلّا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيُقال: أَنظِروا هذين حتى يصطلحا، أَنظِروا هذين حتى يصطلحا، أَنظِروا هذين حتى يصطلحا».

وقد قال أهل العلم: هذا كلُّه إذا لم تكن الخصومة بسبب ارتكاب المنكرات، فقد قال الحافظ وليُّ الدين العراقي -رحمه الله تعالى- في كتابه “طرح التثريب” (8/99): “هذا التحريم مَحَلُّهُ في هجرانٍ ينشأ عن غضبٍ لأمر جائز لا تعلُّقَ له بالدِّين، فأما الهجران لمصلحة دينية من معصية أو بدعة: فلا مانعَ منه، وقد أمر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهجران كعبِ بن مالك، وهلالِ بن أمية، ومُرارةَ بن الرَّبيع رضي الله عنهم، قال ابن عبد البرّ: وفي حديثِ كعبٍ هذا دليلٌ على أنه جائز أن يهجرَ المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديباً له وزجراً عنها، وقال أبو العباس القرطبيُّ: فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجبٌ استصحابُه إلى أن يتوبَ من ذلك، ولا يُختلف في هذا، وقال ابن عبد البرّ -أيضاً-: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يُفسد عليه دينَه أو يولِّد به على نفسه مضرّة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك رُخِّص له في مجانبته، ورُبَّ صَرَمٍ –هَجْر- جميل خير من مخالطة مؤذية”. انتهى.

قال العلَّامة ابن عَلَّان ــــ رحمه الله  ـــــ في كتابه “دليل الفالحين” (8/ 435): “قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فمَن هَجَرَ فوق ثلاثٍ فمات»، مُصِرًّا على الهجر والقطيعة «دخل النار» إنْ شَاءَ الله تعذيبَه مع عصاة الموحِّدين، أو دخل النار خالداً مؤبَّداً، إن استحلَّ ذلك، مع علمه بحرمته والإِجماع عليها” انتهى. وقال ملَّا علي القاري ــــ رحمه الله ــــ: في كتابه “مرقاة المفاتيح” (4/721): “«فَمَاتَ» أَيْ : عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ «دَخَلَ النَّارَ» : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ : أَيِ اسْتَوْجَبَ دُخُولَ النَّارِ، فَالْوَاقِعُ فِي الْإِثْمِ ، كَالْوَاقِعِ فِي الْعُقُوبَةِ : إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ” انتهى.

وعليه: فإنْ أصرَّت هذه الأخت على الهجر والقطيعة فالإثمُ لاحِقٌ بها، وأما أنتِ فإذا التقيت بها فألقِ عليها السلام، عسى أن ترجعَ تلك المرأة عما هي فيه. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *