حكم الحقن المجهري لتحديد النسل
الفتوى رقم 4061 السؤال: السلام عليكم، ماحكم الحقن المجهري لتحديد النسل (ذكورًا أو إناثًا) لشخص مِئناثٍ (كلّ خِلفته بنات) عند طبيبة ثقة؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بدايةً، فإن الحقن المجهري يُستخدم لتعزيز مرحلة الإخصاب التي تتمّ في المختبر عن طريق حَقن حيوان منويّ واحد في بيَيْضة ناضجة، ثم وضع البيَيْضة الـمُخصّبة في الرحم أو في قناة فالوب، لكنْ قبل ذلك هناك عدّة خطوات تمر بها عملية الحقن المجهري، وتفصيل بشأن اختيار تحديد النسل قبل التلقيح أو بعد التلقيح، وهذه تتطلب كشفاً للعورة المغلّظة. وهذه المسألة تعتبر من النوازل المعاصرة التي شرحها أهل الاختصاص وهم الأطباء وعُرِضت على أهل الفقه المعاصرين، فالأكثر على عدم جوازها إلا في حالة واحدة. والبعض الآخر أجازها بشروط.
وقد أصدر “مجمع الفقه الإسلامي” قراراً بهذا الشأن ونصّه: “الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعدَه؛ نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 22ـــــ27 /شوال/1428هـ التي يوافقها 3 ــــــ 8/نوفمبر/2007م قد نظر في موضوع: (اختيار جنس الجنين)، وبعد الاستماع للبحوث المقدَّمة، وعرض أهل الاختصاص، والمناقشات المستفيضة، فإن المجمع يؤكد أن الأصل في المسلم التسليمُ بقضاء الله وقَدَرِه، والرضا بما يرزقه الله؛ من ولد، ذكراً كان أو أنثى، ويحمد الله تعالى على ذلك، فالخيرة فيما يختاره الباري جلّ وعلا، ولقد جاء في القرآن الكريم ذمّ فعل أهل الجاهلية من عدم التسليم والرضا بالمولود إذا كان أنثى، قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [سورة النحل الآيتان: 58-59]، ولا بأس أن يرغب المرءُ في الولد ذكراً كان أو أنثى، بدليل أن القرآن الكريم أشار إلى دعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولد الذكر، وعلى ضوء ذلك قرَّر المجمع ما يلي:
أولاً: يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق الطبيعية؛ كالنظام الغذائي، والغُسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحرّي وقت الإباضة؛ لكونها أسباباً مباحة لا محذور فيها.
ثانياً: لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكور دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل، بالضوابط الشرعية المقرَّرة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصَّة، لا يقلُّ عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العُدول، تقدِّم تقريراً طبّياً بالإجماع يؤكِّد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخُّل طبّيٌّ حتى لا يُصاب الجنين بالمرض الوراثي، ومن ثَمَّ يُعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك.
ثالثاً: ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفيات والمراكز الطبية؛ التي تمارس مثل هذه العمليات في الدول الإسلامية، لتمنع أيَّ مخالفة لمضمون هذا القرار. وعلى الجهات المختصَّة في الدول الإسلامية إصدار الأنظمة والتعليمات في ذلك. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وآله وصحبه”. انتهى. وعليه: فإن الصورة المسؤول عنها في السؤال لا ينطبق عليها شرطُ جواز استخدام الحقن المجهري -لتحديد جنس الجنين وهو حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية- فيحرمهذا الفعل؛ لما فيه من كشف العورة المغلَّظة من دون ضرورة أو حاجة تنزَّل منزلة الضرورة، فضلاً عما سيسبِّبه من خلل وضرر عامٍّ يَحُلُّ بالعالم، وسيصير تحديد الجنس البشري خاضعاً لأهواء الناس، ومصالحهم غير المنضبطة، ولأن رغباتهم لا يمكن ضبطها، وصدق الله تعالى إذ يقول: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ) [سورة المؤمنون الآية: 71].والله تعالى أعلم.