ما أهمية صلة الرحم؟ ومن هم الأرحام؟
الفتوى رقم: 1886 السؤال: ما أهمية صلة الرحم؟ وما هي الفترة الزمنية التي لا يجب تجاوزها في زيارة الأرحام، ومن هم الأرحام، مع رجاء التسمية والتعداد (كالخالة والأُمّ…)؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
قال صلوات الله وسلامه عليه: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَصِلْ رَحِمَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيَقُلْ خيرًا أو ليصمت” متفق عليه. وقال ﷺ: (إن الله تعالى خلقَ الخلق حتى إذا فَرَغَ منهم -أي: كمَّل خَلقهم- قامت الرَّحِمُ فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة – أي أنها تستعيذ بالله من أن تُقطع- قال: نعم، أما ترضَيْنَ أن أَصِلَ مَن وَصَلَكِ وأَقْطَعَ مَن قطعك؟ قالت: بلى. قال: فذلك لك”، ثم قال رسول الله ﷺ: اقرؤوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [سورة محمد الآيتان: 22-23] متفق عليه. وفي رواية خرَّجها البخاريُّ في صحيحه: (فقال الله تعالى: مَن وَصَلَكِ وَصَلْتُه ومَن قَطَعَكِ قَطَعْتُه).
والمقصود أن صلة الرَّحم من أعظم الواجبات الشرعيَّة التي أمر الله تعالى بها، والتي حذَّر جلَّ وعلا مِن قَطْعها والتفريطِ فيها كما تقدم فيما تلَوْنا، وقد خرَّجا في الصحيحين عن النبيِّ ﷺ أنه قال: “لا يدخل الجنة قاطع” أي: قاطع رحمه.
إذا عُلم هذا فإن الرَّحم التي توصل، والتي تراعى أعظمها هما الوالدان؛ لأن من طريقهما تكون قرابة الرَّحم، فأعظم حقٍّ عليك في الرِّحِمِ هما الوالدان بأن تبرَّهما وأن تُحسن إليهما، حتى قرن الله جلَّ وعلا عقوقَهما بالشرك وقرن الأمرَ بتوحيده ببِرِّهما، كما قال جلَّ وعلا: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [سورة الإسراء الآية: 23]، وقال جلَّ وعلا: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [سورة النساء الآية: 36]، وخرَّجا في الصحيحين عن النبيِّ ﷺ أنه قال: “ألا أنبِّئكم بأكبر الكبائر -ثلاثًا-؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان مُتَّكِئًا فجلس، وقال: ألا وقول الزُّور وشهادة الزُّور، فما زال يكرِّرها حتى قلنا ليته سكت”. فأعظم الأرحام التي يجب بِرُّها هما الوالدان، ولذلك غلب لفظ البِرِّ في الوالدين، وغلب لفظ الصلة في الأقارب، وإن كان هذا يَصِحُّ أن يكون مكان ذاك.
وأما عن الأرحام التي تُوصل فإن ثمة خلافًا بين العلماء -عليهم جميعًا رحمة الله تعالى- في الرحم الواجبة التي يجب صلتها، ومع هذا فإننا نذكر لك أصوبَ القولين وأصحَّهما، وهو أن الرحم التي تجب صلتها هي ما كانت من جهة الوالدين، فالأجداد من جهة أُمِّك وهما الجَدَّان وإن عَلَوا -أي: كالجَدِّ وأبي الجَدِّ وأبي أبي الجَدِّ ونحو ذلك- وكذلك الخالات والأخوال وأولادهم ومن تفرَّع منهم، فهذا كلُّه من الرحم التي أمر الله تعالى بصلتها. وكذلك من جهة الأب وهما الجَدَّان وإن عَلَوا -أي: كالجَدِّ وأبي الجَدِّ وأبي أبي الجَدِّ ونحو ذلك- والأعمام والعمَّات وأولادهم ومن تفرَّع منهم. فهذه هي الرحم التي أمر الله تعالى بصلتها.
وأما عن سؤالك عن الأوقات التي يَتمُّ فيها صلة الرَّحم، فلا ريب أنه لا يجب وقت محدَّد في هذا، إلا أن ذلك يُضبط بحسب الأعراف، بحيث لا تُعَدُّ قاطعًا بحسب العُرْفِ المتداول بين الناس، وتتوكَّد هذه الصلة في أوقات فرح المسلمين كعيد الأضحى وعيد الفطر، وكذلك التهنئة بالزواج والأفراح والمسرَّات، وكذلك التعزية في المصائب كالموت والمرض وغير ذلك، فذلك كلُّه من الصلة التي أمر الله تعالى بها، ولا يجب في ذلك تحديد وقتٍ معين، ولكن المطلوب تحقيق معنى الصلة الذي يحصل في النفس والتي تعارف عليه المؤمنون؛ بحيث إنك تقوم بما يقتضيه الإحسان في هذا الشأن.
والله تعالى أعلم.