كَفَى يَا طَنْطَاوِيّ (الحلقة الثانية) السُّفور للمُسلمة في فرنسا “متوازن”

 

عندما سئل د. سيد الطنطاوي عن تصريحه حول منع الحجاب في المدارس الرسمية في فرنسا، ذلك التصريح الذي كان "محل معارضة من كثيرين بمصر والعالم العربي": ابتدأ إجابته بالقدح في دِين عشرات آلاف العلماء ومئات ملايين المسلمين الذين خالفوا هواه وانتقدوا موقفه مشيرًا إلى أنهم مِن "مَنْ يوظِّف الإسلام للشهرة وللتباهي وللتفاخر، وأنا -يعني الطنطاوي- لستُ من هؤلاء". وكان الأَحرى به الابتعاد عن هذا القذف لأنه يفتح باب سوء الظن وقد يجد سَيْلاً من الاتهامات الموجَّهة له في دينه وأمانته، خاصة إذا فتحوا ملفاته الكثيرة مثل تغيُّر فتاويه في الفوائد المصرفية مما يرضي الله إلى ما يرضي الدولة بعد أن كانت فتاواه المكتوبة توافق فتوى كل علماء المسلمين… كان الجدير بك أن تعامل "إخوانك" العلماء و"أبناءك" المسلمين بروح رياضية وتَسامُح لا يَقِلّ عن الذي نالَه منك وزير الداخلية حين التقيتما ليستعين بك لإلغاء شعيرة إسلامية، ورغم ذلك تبدو باشًّا له أمام 9 مكبرات صوت ونحو 3 مسجلات كما يبدو في الصورة "التاريخية" التي أعادت "المجلة" نشرها في هذه المقابلة، دون أن يَعتبر أحدٌ ذلك حبًّا للشهرة… إن الله تعالى يقول: )اجتنِبوا كثيرًا من الظن )  (فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى(.

وأقر د. الطنطاوي بأن "الحجاب فريضة دينية أو إلهية، ولا يستطيع حاكم أو محكوم أن يعارض أو ينكر ذلك". ثم تناقض بعد أسطر فقال: "لكن إذا رأت فرنسا أن توحِّد الزيّ في المدارس الحكومية في مرحلة معينة: فهو كلام متوازن"!  
ماذا يعني "توحيد الزيّ" هنا؟ أليس هو المنع من تطبيق الفريضة الإلهية التي قُلتَ إنه لا يستطيع حاكم أو محكوم معارضتها؟! أعِدْ قراءة العبارتين وتأمل التناقض.
وبكل هدوء تقول: "هذه المسألة انتهت ومضت". إن ضعف ذاكرتك والقدرة الكبيرة على النسيان عندك: مهارة عالية، ولكنها تتعارض مع "النَّفْسِ اللَّوَّامة" التي أقسم الله بها بيانًا لعظمة فضلها لأنها تمنع صاحبها من الاستخفاف بخطئه ومن الغرور. ولكن المصيبة تزيد إذا نسينا أن المرحلية والتدرج في إلغاء الإسلام هما سياسة وتكتيك متَّبَع عند أعدائه (الذين لا أدري إن كنتَ تعتبرهم أعداءك)، كما يؤكد التاريخُ والواقعُ ذلك النبأَ النبويّ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيُنْقَضَنَّ عُرَا الإسلام عُرْوةً عُروةً، فكلما انتقضت عروة تشبَّث الناس بالتي تليها. وأولُهن نَقْضًا الحكم، وآخرُهن الصلاة". رواه أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه.
أما وزير الداخلية وقتَها ساركوزي فقد أخبرك أن الحجاب "موجود في كل مكان بفرنسا" في الشارع والجامعات والمطاعم… ووعَدَك قائلاً: "نحن لا نعارض وجود الحجاب في فرنسا".
فمَن تُصدِّق؟ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أم ساركوزي؟
كنتُ أكتب هذه الكلمات عندما مَنعتْ فرنسا الحجابَ على العاملات في المستشفيات 8/3/2005! فالمسألة ما انتهت، بل هي تكتيك "عروةً عروةً"، صَدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكَذَب ساركوزي وإخوانه. فلا تتعاملْ بسطحية بعيدًا عن التوجيهات النبوية وعن فهم الواقع، مع الدول والحكومات والأجهزة القوية التي تحترم أهدافَها وعقائدَها، فإنك "راعٍ ومسؤول عن رعيتك".
ولا معنى هنا لقولك: إنك لا تتدخل في شؤون غيرك لأنك "لا تسمح لغيرك أن يتدخل في شؤونك" فإن:
        مَنْعَ الحجاب محاربة لأمر الله وظلم "لأخواتك" المسلمات، وواجبنا -وخاصة الذين يتربعون على كراسي الحكم والمناصب العلمية- أن ننصر دين الله ونرفع الظلم عن عباده. فإن لم تستطع بيدك، فبلسانك على الأقل، فإن خِفْت فـ"مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو لِيَصمُتْ"، وإن كنتَ لا تقوى على كلمة الحق فَتَنَحَّ ما دُمْتَ توافق على "تداول السلطة".
        اقتراحَك أن يتحول المسلمون من فرنسا إلى دول أخرى: جيد إذا كنت تقصد تَحَوُّلَهم إلى العالم الإسلامي ليساهموا في ازدهاره، وليصبروا ويصابروا في سبيل إصلاحه. وهذا خير، ولكن ماذا يفعل الذين فَرُّوا لاجئين سياسيين من ممارسات التعذيب وأحكام الإعدام وحفظًا لأعراضهم من الاغتصاب… لا لشيء إلا لأنهم "إرهابيون" يحاولون أن يعيشوا إسلامهم ويعيدوه "عُروةً عُروةً" من "الصلاة" إلى "الحكم" إرضاء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحقيقًا للإصلاح والعدالة؛ كما قال الله تعالى: )   وما نَقَموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد(؟.
        فرنسا وغيرها لم تتركنا وشأنَنا كما يمكن أن يُفهم من كلامك، فإنهم تدخلوا في كل شيء "من البابوج إلى الطربوش" في مصر وخارج مصر، من شؤون الأُسرة، إلى فلسطين والعراق وأفغانستان، إلا إذا لم تكن تعتبر ذلك من شأنك.
 

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *