طيَّار في الخدمة الفعليَّة

طيَّار في الخدمة الفعليَّة

هذا ما صرَّحت به (روز رايلي)، المتحدِّثة باسم القوات الجويَّة الأميركيَّة، بعد أن هزَّ العالم – الموصوف الحُرّ- تسجيل مصوَّرٌ لإحراق ذلك الطيّار (آرون بوشنل) نفسَه خارج مقرِّ سفارة الصهاينة في واشنطن، مناديًا: فلسطين حرَّة.. حتى تحرَّرت نفسُه من جسده!

شابٌّ في مقتبل عمره، أنهى عمرَهُ -حرقًا- متحرِّقًا على مئة ألفٍ أو يزيدون.. بين قتيلٍ تلاشى أشلاءً، وجريحٍ ضُرِّج بدمائه، ودفينٍ تحت أنقاضِ مبانٍ مدمّرة، قد صمّتْ أُذنيه صرخاتُ أطفال، وعويل نساء، وأعمتْ عينيه مشاهدُ أبكت الحجرَ قبل البشرِ!

كارثةٌ إنسانية غير مسبوقة في عصر الإنسانية رأى (آرون) أنّ إحراق نفسه ليس إلاّ نزراً يسيراً لمحاكاة ما تدأب آلةُ الحرب الصهيونية على ارتكابه؛ من إبادة جماعيّة متواطأً عليها بدعمٍ غير محدود -عسكريًّا وسياسيًّا- من قبل دولته التي طالما تشدَّقَ ساستُها بأنّها حاملُ لواء الحُريّة، وحامي حِمى العدالة!

نعم، لم يُرد (آرون) الآخرة، إنّما أراد نصرةَ المظلوم، لم يُرد الآخرة لكنّهُ أوقع خزيًا بالظالم، هو لم يرُد الآخرة لكنّه أبدى إنسانيّة لم يُبدها ولا مِعشار عُشرها كثيرٌ من أبناء جلدتنا!

رأَوا الجائع يتضوَّر جوعًا فضنُّوا عنه بالفُتات، ورأوا الثَّكلى وقد فُجعتْ بوليدها، فأماتوا أخاه حصارًا، ورأوا طفلاً تفتّت تحت ركام فقالوا: إنّ أباهُ استثار عدوَّه فجنى عليه!

إنَّ أعظم إنجازٍ أنجزه (آرون) أنّه قد عرّى إعلامًا فاسدًا مفسدًا، عرّاهُ من مقولات نتنةٍ ردَّدها لعقود ولا يزال: الاحتلال مظلوم، الاحتلال معتدًى عليه، الإرهاب يعتدي على المُحتل، والأخير يدافع عن نفسه، الاحتلال يُقدِّم فلذات أكبادهِ دفاعًا عن قِيم الإنسانية، وهو يقاتل نيابةً عن أحرار العالم… كلُّ ذلك فضحته عبارة (آرون): الحريّة لفلسطين: حُريّةٌ من دَنس الصهاينة، حريةٌ من ظلم ذوي القُربى، حريةٌ من إملاءات المتاجرين بقضيتها، حريةٌ من إرادة دولية تزيّتْ بزِيِّ الإنسانية وهي تُنكّلُ بها، حريةٌ من خانقي طالبي الحرية، حرية ممَّن تلبَّس بلَبوس العدالة وهو أبعد الناس عنها!

نعم، نحن نُثني على (آرون) ونشكره، ونذكر جميلَ تعاطفه، وحُرقة قلبِه، لكنْ لا نُقِرُّ له بحرق جسده، ولا ندعو له بمثوبة، فقد عاش ومات على غير هُدى، ولا ندري ما الدافع له على فعلته تلك، ولنا الظاهر من أمره، ولا ندخل في السرائر، فلا تنديد بما فعله تعاطفًا، ولا تأييد لإحراق نفسه، وغاية ما عرفناه أنّه عاش طيارًا في الخدمة الفعليّة، ومات طيارًا في الخدمة الإنسانية.

بقلم: أ. بلال الزعتري

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *