سَلِمَتْ يداه
لحظات مصوَّرة هزمت دعايةً إعلاميَّة دَأَبَ بنو صهيون على ترويجها سبعة عقود و تزيد؛ هم أهل الإنسانية، ومُقدَّم الديمقراطيَّة، ومجسَّم الحريَّة، ادَّعَوْا زمنًا أنَّهم المُنافِحون دومًا عن حقوق الإنسان، فتلك شِرعة هم حرَّاسها، لكن -بالمقابل- من وطِئُوا أرضَه، وسفكوا دمَه، واستباحوا مالَه وعِرضَه، ودَأَبُوا على التنكيل به ليلًا ونهارًا، سِرًّا وجِهارًا، إنْ هو طالَبَ بحقِّه، أو سلك مسلكَ الدفاع عن نفسه، أو سَوَّلت له نفسُه فتجرَّأ على قتالهم، لم يكن في إعلامهم إلا رأس حَرْبَةٍ في الهمجيَّة، وهو متسلِّط على الحريَّة، وعدوٌ للسلام، ومغتصِب للإنسانية، وهادم لصرح الديمقراطيَّة!
نعم، لقد هزمت لحظاتٌ مصوَّرة تلك الدعاية المضلِّلة، حتى رأى العالَم سقف إعلامهم ينهار عليهم مِن فوقِهم، صور أذهلت كبيرَهم الذي علَّمهم العدوانَ، فصدمته، وهي الصور عينُها التي نزلت بردًا وسلامًا على مُحِبٍّ فأثلجت صدرَه، وأفرحت قلبه، وهي نفسها التي أحرجت كلَّ مُبغِض للحقِّ ناطق بلسان العدوِّ، وإنْ لم يكن من أبناء جِلْدَتِهِ، ولا معبِّرًا بِعِبْرِيَّتِه، فأوغلَتْ صدرَه، وكشفت عَوارَه!
تلك الصور الناطقة التي تشابكت فيها يد أسيرة بيد آسِرِها، إنها (يوخباذ) الأسيرة المُسِنَّة التي احْتَسَت قهوة مع زميلتها بحضور الآسِرين المدجَّجين بسلاحهم، فإذا بها تَفجأ، بل تفجع العالَمَ “المتحضِّر” وإعلامَه بعباراتٍ هزَّ وَقْعُها كيانَهم، ووقع كصاعقة على أكاذيبهم لسنواتٍ فأحرقتها:
– الخاطفون تعاملوا معنا بوُدّ!
– الخاطف آوانا، وأطعمنا، وسقانا، بل داوانا!
أذهل ذلك بعض وسائل إعلامٍ عالمية، تَتَّصف -أحيانًا نادرة- بالإنصاف وتحرِّي الحقيقة، فاضطرَّت أن تُظهِرَ هؤلاء “الخاطفين” بمظهر إنساني لم تَعْتَدْ أن تُظْهِرَهم به، كما اضطرَّت أن تَسِمَ عدوَّهم بسِمَة المتخبِّط الفاشل في إدارة ملفِّ الأسرى!
نعم، الحقُّ يُقال: هدمت عباراتُها صورة دعاية إعلامِ عدوٍّ دَأَبَ على ترويج كذب متعمَّد مُمنهَجٍ تفوَّق بجدارة، بل بحقارةٍ على مبتدع الترويج لنازيَّة هتلر (جوزيف غوبلز) صاحب مقولةٍ بائدةٍ مستهلَكة بعد تسخير عدوِّنا لفضائيات ووسائل تواصل تَنْفُثُ سمومها، وتكرِّر افتراءاتها بكمٍّ هائل على مسامع مليارات من البشر، فتُوغِر صدورَهم على أصحاب الحق، وتُخيِّل إليهم أنهم مُعتدون يُرهبون الآمنين، وينغِّصون عيش المواطنين المسالمين!
شُلَّت يدا مقاتل ظالم، إذا قاتلَ جَبُنَ واندحر، وولَّى الدُّبُر، وربَّما انتحر! وإذا أَسَرَ نكَّل فلم يَدَعْ للتعذيب وسيلةً إلا ابتكرها! وإذا نطق إعلامُه لم يَدَعْ فِرْيَةً إلا افتراها!
وسَلِمَت يدا مقاتل مظلوم، إذا قاتل أبلى بلاءً حسنًا، وأوْقَعَ نكايةً، فاستُشهد أو انتصر، وإذا أَسَرَ ضعيفًا رَحِمَه؛ فحماه، ورعاه، وداواه، وإذا صرَّح إعلامُه كان الحقُّ غايتَه، والحقيقةُ مبتغاه.
سَلِمَتْ يداه، سَلِمَتْ يداه.