شخص موظف وموكل بتوصيل مواد غذائية إلى عوائل فقيرة هل يجوز له الأخذ منها؟

فتوى رقم 4545 السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، امرأة تسأل تقول: زوجها موظَّف في مكان عملٍ الأغلبيةُ فيه هم أهله وأخواله وأعمامه، وهو موكل بمهام معينة وكذلك مَن هم موظفون من أهله معه في نفس المكان، وأحد أخواله رتبته عالية في مكان عمله، وخاله الآخر كذلك، ولهم أبناء موظفون معهم، أوكل مدير العمل إلى أبنائهم تسليم المونة الى بيوت موظَّفي هذه الأسرة فقط من خضار ومعلبات وفواكه. فأخواله مَن هم أصحاب رتب عالية أوكلوا هذه المهمة إلى ولد أختهم في توصيل المونة، للعلم فإنَّ هذا الشخص وظيفته عامل، وحسب قوانين العمل ليس هو من ضمن الأشخاص المقرَّر لهم استلام المونة. فهذا الشخص يقوم بتوصيل المونة إلى بيوت الأشخاص المستحقِّين للمونة، لكنَّه يأخذ منها حاجته دون علم أصحابها. وإن رفض إيصال المونة بحجة أنها ليست من ضمن عمله أخذوا على خاطرهم منه، وبسبب الحياء لا يستطيع أن يواجههم بأن هذا العمل يجب أن يقوم به أبناؤهم وليس هو. كذلك إن أخبرهم أنه يأخذ من المونة حاجته أخذوا على خاطرهم منه واستهزؤا به. فما حكم الشرع في ذلك هل ما يأخذه من حاجته من مونة مقابل عمل ليس من عمله، إنما هو استغلال من أقاربه، وللحياء منهم، هل هذا الفعل حرام أم أنه من باب الظفر بالحق؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

ما يقوم به الموظَّف المذكور من أخذه من المونة -خضار وفاكهة ومعلبات غذائية- المخصَّصة لأسرة معيَّنة، من دون علم أصحابها يُعَدُّ خيانة للأمانة، وأخذاً لمال لا يَحِلُّ له، وأكلاً لأموال الناس بالباطل، وهذا العمل حرام وهو كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [سورة النساء الآية: 58]، وقال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [سورة الأنفال الآية:27].

وروى الإمام أحمدُ في مسنده عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، قَالَ: “مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إِلاَّ قَالَ: «لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ»“. قَالَ تَعَالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [سورة المؤمنون الآية: 1]. ثم ذَكَرَ -سبحانه- عَدَدًا مِن صِفَاتِهِم إِلى أَن قَالَ تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [سورة المؤمنون الآية: 8]. فواجب على فاعل هذه المعصية الكبيرة التوبةُ النَّصوح، وهي المسارعة إلى ترك المعصية مع الندم، والإقلاع، والعزم على أن لا يعود إليها، وردُّ الـمَظْلَمَةِ -الحقوق- إلى أصحابها، أو أن يطلبَ منهم السماح في الدنيا إذا لم يترتب على ذلك فتنة أو مشاكلُ وخصام. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [سورة آل عمران الآيتان 135/136].

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسيره (1/408): وقوله (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي: تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب ولم يستمرُّوا على المعصية ويصرُّوا، مُقلعِين عنها ولو تكرَّر منهم الذنب تابوا منه. انتهى. قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [سورة الزمر الآية: 53] .وقال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون) [سورة الشورى الآية: 25].

وعليه: فالواجب على هذا الموظَّف التوبة وترك هذه المعصية -أكل أموال الناس بالباطل- والتوبة إلى الله تعالى مما يفعل، وردُّ تلك المواد من المونة -الخضار والفاكهة والمعلبات الغذائية- إلى أصحابها، إن كانت لا تزال باقية أو شراء مثلها؛ إما مباشرة، أو بأن يُلحقها مع المونة، بحجة أنها مرسلة إليهم، أو يطلب منهم  مسامحته إن كان لا يترتب على ذلك فتنة أو ضرر عليه. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *