هل يجوز أن يشك الرجل في زوجته؛ وإذا فعل هل يجوز أن يعمل فحص (دي إن إي)، وماذا يترتب عليه؟

فتوى رقم 4504 السؤال: رجل همَّ بتسجيل أولاده في النفوس والدوائر الرسمية، وبعد معاناة وصل به المطاف إلى فحص ال (دي إن إي) السؤال: إذا كان بالفحص شيء سلبي لأحد أطفاله الثلاثة، كيف يتصرف شرعًا وقانونًا واجتماعياً مع الزوجة أولًا، ثم مع الأولاد؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بدايةً، فإن هذا السؤال يشتمل على مغالطات شرعية، ومضامينَ أخلاقيةٍ خطيرة، فهو يريد أن ينفيَ نسب أولاده، ويشك في عرض زوجته، وربما يصل به الأمر إلى اتهامها بالزنا؟!! فكيف يُعقل ذلك لرجل متزوج رُزق بأولاد من زوجته وليس أول ولد، فالسؤال يتحدث عن أولاد، وأنه يريد أن يجريَ فحص البصمة الوراثية ليتأكد، والعجيب في السؤال: القفز فوق الحكم الشرعي!! وهو منع نفي النسب، ويسأل عن كيفية التصرف مع الزوجة في حال كان الفحص سلبيًا.

أخي السائل: اعلم أن الأصل في هؤلاء الأولاد أنهم ولدوا على فراش الزوجية، وهذا لا يَصِحُّ نفيه، والأصل في هذا ما في الصحيحين أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “الولد للفراش”. [متفق عليه] .قال الإمام النوويُّ ـــ رحمه الله ـــ في: “شرحه على صحيح مسلم” (10 / 37): “فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة، … فأتت بولد لمدة الإمكان منه، لَـحِقَهُ الولد، وصار ولدًا يجرى بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة، سواء كان موافقًا له في الشَّبه أم مخالفاً، ومدة إمكان كونه منه ستة أشهر من حين اجتماعهما، أمَّا ما تصير به المرأة فراشاً، فإنْ كانت زوجة صارت فراشاً بمجرد عقد النكاح، ونقلوا في هذا الإجماعَ وشرطوا إمكانَ الوطء بعد ثبوت الفراش”. انتهى.

قال ابن قدامةَ المقدسيُّ الحنبليُّ ــــ رحمه الله ــــ  في كتابه “المغني”: “النسب يُحتاط لإثباته، ويَثبت بأدنى دليل، ويلزم من ذلك التشديدُ في نفيه”. انتهى.

وجاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة (21-26/ 10/ 1422هـ) الموافق (5-10/ 1/ 2002م): “إن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعيةً في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة (من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية (التي هي إثبات النسب بوجود الشَّبه الجسماني بين الأصل والفرع)”.ومما هو معلوم أن إثبات النسب بالبصمة الوراثية لا يُقَدَّم على وسائل الإثبات الأقوى منه كالفِراش؛ فلا يجوز البحث في نسب مَن كان معروف النسب ومولودًا من فراشٍ صحيح.

قال الخطيب الشربيني: “لأن النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره” “مغني المحتاج” (3/ 304).  أما إثبات نسب الولد الناتج من علاقة غير شرعية فغير وارد باتفاق الفقهاء، حتى لو أثبتت فحوصات البصمة الوراثية نسبه إليه؛ لأن الزنا لا يَصلح سببًا لثبوت النسب؛ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (الوَلَدُ لِلفِراشِ وَلِلعاهِرِ الحَجَرُ) [متفق عليه]. والمراد بـ(الفِراش): أن تحمل الزوجة من عقدِ زواجٍ صحيح، فيكون ولدها ابنًا لهذا الزوج، والمراد بـ(العاهر): الزاني. لكنْ يجب أن يُنسب ولد الزنا لأمِّه فقط، فيجب تعريفه بأمِّه؛ لما بينهما من الحقوق المتبادلة كحق الميراث والحضانة وحرمة المصاهرة وغيرها من الحقوق.

والحاصل أن إثبات النسب أو نفيه بالبصمة الوراثية يجب ألَّا يُقدَّم على القواعد الشرعية ولا على وسائل الإثبات الأقوى منه، ولكنْ يجوز استخدامه في حالات التنازع على مجهولي النسب، أو حالات الاشتباه بين المواليد، أو ضياع الأطفال واختلاطهم، ولا يَصِحُّ إثبات نسبٍ لمعروفِ النسب، ولا لمولود الزنا. والله أعلم.

وعليه: فإن إثبات النسب أو نفيه بالبصمة الوراثية يجب ألَّا يُقدَّم على القواعد الشرعية ولا على وسائل الإثبات الأقوى منه، وبما أن الفصل في مثل هذه المسائل لا بُدَّ فيه من الرجوع إلى المحاكم الشرعية وليس المدنية التي تحكم بالقانون الوضعي، فالمطلوب من الزوج إنْ كان يملك البينة الشرعية، أو تأكد من أن زوجته زنت بأن رآها، فعليه برفع دعوى لدى المحكمة الشرعية، للبتِّ بذلك، وإلا بأنْ كان هذا مجرد شكوك لا يملك عليها بينِّة أو رؤية يقينيَّة، فليتق الله تعالى، وليُبعد هذه الوساوس الشيطانية، وهؤلاء أولاده من زوجته ولا عبرةَ بفحص البصمة الوراثية. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *