جمعية الاتحاد الإسلامي - عاشوراء.. رسائلُ أربعة

عاشوراء.. رسائلُ أربعة

إن كثيراً من الأحداث التاريخية تأخذُ قيمتَها من التحولات المفاجئة والمريعة التي تعتريها، ففي الوقتِ الذي كان فيه فرعون مزهُوّاً بنفسه، زَهواً أخذ منه عقلَه، حتى قال: ﴿ياأيُّها المَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكم مِن إلَهٍ غَيْرِي﴾. في هذا الوقت، وهو يطارد موسى عليه السلام وقومَه تأتي نهايتُه ومَن معَه من حيث لا يدري، فقد سلّطَ الله تعالى َعليه البحرَ فكتَم أنفاسَه في موقف فيه غايةُ الإهانة، فلم تنفعْه استجداءاتُه: ﴿آمَنتُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرائِيلَ وأنا مِنَ المُسْلِمِينَ﴾… فكان التحوّل مذهلاً بين اللحظة التي كان فرعونُ لا يزال في أعيُن قومِه إلهاً، وبين اللحظة التالية التي بصرتها أعينُ الحقيقة، وهي أنّه عبدٌ عاجزٌ يغرق ويستجدي..

وإنَّ هذا الحدث التاريخيّ العظيم أرسلَ على بعد الشُّقّة رسائلَ عدة، يمكن أن نقرأ منها أربعة، وهي:

رسالةُ التسليم لله تعالى والتوكّلِ عليه:

إنَّ كلمةَ موسى عليه السلام: ﴿كلّا إنَّ معيَ ربِّي سيهدينِ﴾ جاءت ردّاً على حالة اليأس وضَعف الروح المعنوية لدى قومه الذين قالوا: ﴿إنّا لمُدرَكون﴾. ليقرأها من يأتي بعدهم: إنّ الشجاعةَ صبرُ ساعة، وأن لا هزيمةَ مع التوكل على الله والأخذ بالأسباب، وأنَّ خيرَ ما يجابَه به اليأس هو الثقة بالله تعالى.

رسالةُ تحذير:

إن الطاغيةُ لا ينزلُ من السماء، ولا يخرجُ من الأرض، ولا يَقذفُ به البحرُ إلى اليابسة، فهو ليس مَلَكاً ولا جنيّاً، بل هو إنسانٌ مثلنا، يتزلّفُ له العبيدُ والغوغاء، فيداهنونه ويبالغون في مدحِه، إلى أن يُصنعَ على أعينهم مشروع طاغية، ولهذا كان عالم الاجتماع ابن خلدون يقول: “لو خيّروني بين زوالِ الطغاة وبين زوالِ العبيد، لاخترتُ بلا تردّد زوالَ العبيد؛ لأنَّ العبيدَ هم الذين يصنعون الطواغيت.”

لكنَّ سُنة الله تعالى ماضيةٌ في الكون، وهي أن الطغاة ومَن معهم سيزولون، ويزول ملكُهم وعِزهم المزيف، وجبروتهم المكتسب، ولا يبقى منهم إلا ذكرهم السيئ ولعن الناس لهم..

رسالة استبسال وشجاعة:

فقد تجلّت في موقفِ السَحَرة الذين جمعهم فرعون من أرجاء البلاد، ووعدَهم إذا غلبوا موسى عليه السلام بالمال والجاه، إلا أنهم عرفوا الحقَّ فاعتصموا بحبله، ولم يهابوا طغيانَ فرعون في موقف قلَّ نظيره، فقالوا له رغم تهديده لهم بصلبهم وتقطيع أطرافهم: ﴿قَالُوا۟ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاۤءَنَا مِنَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلَّذِی فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَاۤ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِی هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَاۤ * إِنَّاۤ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِیَغۡفِرَ لَنَا خَطَـٰیَـٰنَا وَمَاۤ أَكۡرَهۡتَنَا عَلَیۡهِ مِنَ ٱلسِّحۡرِۗ وَٱللَّهُ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰۤ﴾.

وهي رسالةٌ إلى الساكتين على ظلم الطغاة وأفاعيلهم، بأن هذه الحياة المفعمة بالشهوات والأماني قصيرةٌ للغاية، وأنّ الحياة الآخرة هي دار الخلود، التي يأتيها الإنسان بأعماله ومواقفه، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.

رسالة سرورٍ وابتهاج:

بسبب الفرحة التي ملأتْ قلوبَ المسلمين بنجاة موسى عليه السلام وهلاك فرعون وقومِه، فقد شرّع صلّى اللّه عليه وسلم صيامَ يوم عاشوراء استحباباً، فعندَما قدِم المدينة وقد رأى اليهود يصومونه شكراً على نجاةِ بني إسرائيل من إجرام فرعون، فقال لهم: “أنا أحقُّ بموسى منكم، فصامَه وأمرَ بصيامه” أخرجه البخاري ومسلم.

إن على المسلم ألّا يركنَ إلى الحالة السلبية التي تحيط به والتي قد تطول فيظنّها دائمة، فيقبل بها ويستسلم لمعطياتها، بل عليه أن يعيشَ مجاهداً في سبيل الله، متأهّباً للمتغيرات التي تطوفُ به، متجذّراً بثقته بربّه، مؤمناً بالفرج والنصر ولو بعد حين، وما أصدقَ ما قالوا: دوام الحال من المحال.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *