هل صحيح أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم لم يؤذِّن فى حياتة قَطّ، وذلك لأنه لو كان أذَّن لكان كلُّ مَن تخلَّف عن الإجابة كافراً…؟

فتوى رقم: 4166 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل صحيح أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم لم يؤذِّن فى حياتة قَطّ، وذلك لأنه لو كان أذَّن لكان كلُّ مَن تخلَّف عن الإجابة كافراً، كما أنه كان داعياً فلا يجوز أن يشهد لنفسه، وقال بعض العلماء: إنه لو أذَّن قائلاً: أشهد أن محمداً رسول الله لتوهَّم البعض أن ثمة نبيًّا ورسولاً غيره.

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

هذه المسألة ذكرها كثير من أهل العلم في كتبهم.
وأما بالنسبة للتخلُّف عن الاستجابة لأذان النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والحكمة من عدم تأذين رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فكثير منها غير مسَلَّم به، فقد نقل العلَّامة الحطَّاب المالكيُّ – رحمه الله تعالى – في كتابه: “مواهب الجليل لشرح مختصر خليل” 2/70 عن بعض فقهاء المالكية: “إنَّمَا تَرَكَه ــ أي الْأَذَانَ ـــ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُعَجِّلُوا لَحِقَتْهُمْ الْعُقُوبَةُ؛ لقوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وأما الخلفاء فمَنَعَهم عنه انْشِغَالُهم بأمور الْمُسْلِمِينَ، قال عمرُ رضي الله عنه: “لولا الخلافة لأذَّنت”. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ – رحمه الله تعالى – في كتابه: “فتح الباري بشرح صحيح البخاري 2/94: “ومما كَثُرَ السؤالُ عنه، هل باشر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأذان بنفسه؟ وقد وقع عند السُهَيْلي: “أن: “النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أذَّن في سفر، وصلَّى بأصحابه وهم على رواحلهم، السماءُ من فوقهم والبِلَّةُ من أَسْفَلِهم”. أخرجه الترمذيُّ من طريق تدور على عمرَ بن الرماح، يرفعه إلى أبي هريرة. وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مُرَّة، وكذا جزم النوويُّ بأنَّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَذَّن مرَّة في السفر، وعزاه للترمذيِّ وقوَّاه، ولكنْ وجدناه في مسند أحمدَ من الوجه الذي أخرجه الترمذيُّ، ولفظه: “فأمر بلالاً فأذَّن”. فعُرف أن في رواية الترمذي اختصاراً، وأن معنى قوله: “أَذَّنَ” أَمَرَ بلالاً به، كما يُقال: أعطى الخليفةُ العالَم الفلانيَّ ألفاً؛ وإنما باشر العطاء غيره، ونُسِب للخليفة لكونه آمراً به. انتهى.
أما تشهُّده صلَّى الله عليه وسلَّم في الأذان ففي جوابٍ للعلَّامة شهاب الدين أحمدَ بنِ أحمدَ الرمليِّ الشافعيِّ في: “فتاويه” 1/296 ـــ عن سؤال وَرَدَ عليه، وهوــــــ: لِأَيِّ شَيْءٍ أَمَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وَلَمْ يُؤَذِّنْ، مَعَ أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الصَّائِرِينَ إلَى أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ اعْتَذَرُوا عَنْ تَرْكِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لِلْأَذَانِ بِوُجُوهٍ
مِنْهَا: أَنَّ الْأَذَانَ يَحْتَاجُ إلَى فَرَاغٍ لِمُرَاعَاةِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَكَانَ صلَّى الله عليه وسلَّم مَشْغُولًا بِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ خُصُوصًا، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَاُم كَانَ يُحِبُّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ،
وَمِنْهَا: إذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ لَزِمَ تَحَتُّمُ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ آمِرٌ وَدَاعٍ، وَإِجَابَةُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وَاجِبَةٌ، فَتَرَكَهُ شَفَقَةً عَلَى أُمَّتِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَحَتُّمَ الْحُضُورِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالدُّعَاءَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَا لِلْإِيجَابِ بَلْ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَمِنْهَا: لَوْ أَذَّنَ فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, وَلَيْسَ بِجَزْلٍ، أَوْ أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ تَغْيِيرٌ لِنَظْمِ الْأَذَانِ، وَالْاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ لَاخْتَلَّتْ الْجَزَالَةُ سَاقِطٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (إنَّمَا تُنْذِرُ مَنْ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ) ،أَيْ خَشِيَنِي، مِنْ بَابِ إقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ لَا تُحْصَى. ثُمَّ مَا قَوْلُهُمْ فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ فِي التَّشَهُّدِ: أَكَانَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَمَا الِاخْتِلَالُ؟! وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلِمَ آحْتُمِلَ تَغْيِيرُ النَّظْمِ مِنْهُ هُنَاكَ ، وَلَا يُحْتَمَلُ هَا هُنَا، وقد نُقل عنه هناك كلٌّ منهما.
ومنها: أنه ما كان يتفرَّغ للمحافظة على الأذان لاشتغاله بسائر مهمات الدين من الجهاد وغيره، والصلاةُ لا بدَّ من إقامتها بكلِّ حال فآثر الإمامةَ فيها، وإلى هذا الوجه أشار عمرُ رضي الله عنه بقوله: لولا الخلافة لأذَّنت، واعتُرِض بأنا لا نسلِّم أن الاشتغال بسائر المهمات يمنع من الأذان مع حضور الجماعة وإقامة الصلوات في أول الوقت، وبتقدير التسليم فقد كان له أوقات فراغ فكان ينبغي أنه يؤذِّن في تلك الأوقات على: “أنه صلَّى الله عليه وسلَّم قد أذَّن مرة في سفره راكباً”. كما رواه الترمذيُّ بإسناد جيد.”انتهى.
وروى الإمام أحمدُ في مسنده عن عبد الله بن ربيعةَ السُّلَمي، قال: “كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فسمع مؤذِّناً يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن محمَّداً رسول الله، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أشهد أني محمد رسول الله، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: تجدونه راعي غنم، أو عازباً عن أهله، فلما هبط الوادي، قال: مرَّ على سَخْلة منبوذة، فقال: أترَوْن هذه هيِّنة على أهلها، لَلدُّنيا أهونُ على الله من هذه على أهلها.” والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *