حجابكِ وقفة عزّ
صخب عجيب مُثار -دومًا- حول قماشٍ غطَّى رأس مسلمة، وجلبابٍ ستر جسدها! قضيَّة ملأت الدنيا وشغلت الناس!
اصطنع هذا الصخب أهلُ غربٍ تملَّكتهم منذ قرنٍ ونيِّف لوثةٌ مسمَّاة -زُورًا- علمانيَّة استولدت عندهم داء حريَّةٍ مزيَّفة، وتحرُّرًا مَقيتًا، أعدى بلَوْثَتَه أشباه متعلَّمين متغرِّبين عندنا؛ فبات أحدهم ينعق في كلِّ وادٍ، ويبثُّ سُمَّه في كلِّ نادٍ: أن ارفعوا الظلم عن امرأة كبَّلها الحجاب وأسرها الجلباب! حتى باتت حبيسة بيتٍ تطبخ فيه وتنفخ! لا نتاج مجتمعيًّا لها، فنصف المجتمع بين الجدران! فيا قوم حرِّروا المرأة من ربقة الاستعباد، وصار حتمًا على كلِّ مثقَّف واعٍ المناداة بمنحها حقوقها، فلا يتخلَّف عن القيام بذلك إلا كلُّ جاهل غافل!
هذا ما عند القوم وأذيالِهم، وما يُدندِنون حوله، فما الذي عندكِ أختي المسلمة؟
أوليس علمها وسعيها وجِدُّها هو مقياس ريادتها، لا قماشًا سترها، ولا تعرٍّ ابتذلها؟!
قولي لهم -مرفوعة الرأس بالحجاب-: رَمَتْنِي بدائها وانْسَلَّتِ؛ أوَليسَتْ المرأةُ عندكم سِلْعةً رخيصة ترَوّجون بها بضائعكم لتكدّسوا قناطير أموال في حساباتكم؟! أم تراها -بتفلُّتها- حازت قصب السبق في التقنية الرقمية، وبلغت بتعرِّيها ما بعد المرِّيخ؟! أوليس علمها وسعيها وجِدُّها هو مقياس ريادتها، لا قماشًا سترها إلا كونَه طاعةً لخالقها، ولا تعرِّ ابتذَلَها؟! بل إنَّ ما يُعيق بعض نساء الغرب عن بلوغ غاية إنجازهنَّ، وتمام إنتاجهنَّ مَرَدُّه إشغالُهنَّ في مستنقع الشهوات الآسن؛ ما بين تَلَهٍ بأزياءَ فاضحة، و وسائلَ تواصلٍ داعِر، وممارسة عشقٍ متنقِّل، وزِنًى مُتَفَشٍّ، والعمد إلى مهنٍ ليست ذات بالٍ اضْطُرِرْنَ إلى امتهانها، حتى صِرْنَ أشبه بآلاتٍ يتحرَّكن، يؤدِّين أعمالًا مرهقة شغلتهنَّ عن الأُسرة، بل عن مجتمعهنَّ، حتى وصل ببعضهنَّ الحال أن تكون عجوزًا جَدَّةً اعتزلها مَن حولها وتخلَّوا عنها، فألجأها العوز إلى كَنْسِ شارع أو تنظيف منزل؛ طالبةً سَدَّ رَمَقٍ، أو حيازة دواءٍ، أو إيواء منزل.
قولي لهم: إسلامي حياتي، وحجابي فطرتي، والروح والنفس، وليس الجسد فقط، كلُّ ذلك لله ربِّي، فهل تُراني -بعد ذلك- أضنُّ بستر رأسي وجسدي؟! فما أملك لكم إن انتكست لديكم فطرتُكم، فارتضيتم لنسائكم أن يَكُنَّ طَفْرَةَ فجور، لا فطرةَ فضيلة، حتى صِرْنَ لقمةً استساغها كلُّ غادٍ ورائح، وابتلعها كلُّ جائعٍ وشَبِع؟!
قولي لهم: إسلامي حياتي، وحجابي فطرتي، والروح والنفس، وليس الجسد فقط، كلُّ ذلك لله ربِّي، فهل تُراني -بعد ذلك- أضنُّ بستر رأسي وجسدي؟!
قولي لهم: حجابي عندي أمرُ قرآن، وحقُّ شرع، ودعوةٌ لدين، وشعارٌ لأُمَّة؛ وحافزٌ لها على استئناف بثِّها الحضاري بعد طول انقطاع، ونبراسٌ لجيل انبعاث إسلامي، فليس هو عندي سترٌ وحسب، فإنْ بدا لكم – أو أردتم أن يبدوَ لكم – أنه قماشٌ مكبِّل، ورجعة إلى ماضٍ، وكبتٌ لحريَّة، وبَخْسٌ لحقٍّ. فإني على يقين أنَّه انطلاق قيدٍ من تبعيَّة العباد، وسبيل تقدُّم إلى رضا ربِّ العباد، وانطلاقٌ لحريَّة اختياري لإسلامي؛ إسلاميَ الذي به وجدت ذاتي فحقَّقتُها، بل أزيدكم فأقول: الحجاب وقفة عزٍّ بالإسلام، وبالإسلام فقط. شاء مَن شاء وأبى مَن أبى.
بقلم: الأستاذ بلال الزعتري