إنْ تلفَّظ الزوج بالطلاق بعد الحكم بردَّته، فما الحكم؟

الفتوى رقم: 1186 السؤال: هل يجوز الحكم على مسلم بالرِّدَّة؟ وإنْ تلفَّظ الزوج بالطلاق بعد الحكم بردَّته، فما الحكم؟ علما بأن الزوجة عمرها ثلاث وستون.

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

أختي السائلة: الأصل أن الحكم على المسلم بالرِّدَّة -بالكفر- أمر خطير يحتاج إلى سؤال أهل العلم، ثم بعد ذلك إن قالوا بكفره -برِدَّته- فإنه ينبني على الشيء مقتضاه، ولذلك ننبِّه السائلة من خطورة المسارعة إلى تكفير الزوج قبل سؤال أهل العلم عما تكلَّم به الزوج، وهل هو كفر أم لا؟ فإن كان كما تقولين بأنه ارتد. فيجب عليه أولاً أن يعود إلى الإسلام بنطق الشهادتين ثم التبرُّؤ من الكفر.

وفي هذه الحالة أي -حالة كفر الزوج يصير عقد الزواج- موقوفًا، أي: لا يَحِلُّ للزوجة أن تكشف عليه أو تسمح له بأن يقربها، فإنْ عاد إلى الإسلام قبل مرور مدة العدَّة وهي بالنسبة للسائلة ثلاثة أشهر -لأن عمرها ثلاث وستون عامًا- لقوله تعالى: (واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ واللاتي لَمْ يَحِضْنَ) [سورة الطلاق آية: 4]. فإن عاد إلى الإسلام فإن العقد يسري وتستمر الزوجية، وإلا بأن لم يَعُدْ إلى الإسلام خلال فترة العدَّة فينفسخ العقد. وهذا مذهب السادة الشافعيَّة.

والسؤال: بأن الزوج تلفَّظ بالطلاق -بعد كفره- فقال: “أنت طالق” فهل طلاقه يقع أم لا؟ فمذهب السادة الشافعيَّة أن طلاق المرتد إذا عاد إلى الإسلام قبل انقضاء مدة العِدَّة -وهي ثلاثة أشهر بالنسبة للسائلة- يقع، فإذا بقي على رِدَّتِه وانقضت العدَّة فلا يقع على اعتبار انفساخ العقد. ﻗﺎﻝ الإمام ﺍﻟﻨﻮﻭﻱُّ الشافعيُّ رحمه الله تعالى ﻓﻲ كتابه: “ﺭﻭﺿﺔ ﺍﻟﻄﺎﻟﺒﻴﻦ” (7/141-142): “ﻭﺇﺫﺍ ﺍﺭﺗﺪ ﺍﻟﺰﻭﺟﺎﻥ ﺃﻭ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﺗﻨﺠَّﺰﺕ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ، ﻭﺑﻌﺪﻩ -بعد الدخول- ﻧﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺪﺓ ﻓﺈﻥْ ﺟﻤﻌﻬﻤﺎ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻗﺒﻞ ﺍﻧﻘﻀﺎﺋﻬﺎ ﺍﺳﺘﻤﺮ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ، ﻭﺇﻻ‌ باﻥ ﺣﺼﻮﻝُ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﺮﺩﺓ. ﻭﻓﻲ ﻣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻮﻗُّﻒ ﻻ‌ ﻳَﺤِﻞُّ ﺍﻟﻮﻁﺀ.. ﻭﻟﻮ ﻃﻠَّﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻮﻗُّﻒ.. ﺗﻮﻗَّﻔْﻨﺎ؛ ﻓﺈﻥ ﺟﻤﻌﻬﻤﺎ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻗﺒﻞ ﺍﻧﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺪﺓ ﺗﺒﻴَّﻨﺎ ﺻِﺤَّﺘَﻬﺎ ﻭﺇﻻ‌ ﻓﻼ‌..”‏ ﺍﻫـ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼ‌ﻡ ﻳﻮﺿﺢ ﺃﻥ ﻃﻼ‌ﻕ ﺍﻟﻤﺮﺗﺪ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻌﺪﺓ ﻣﻮﻗﻮﻑ، ﻓﺈﻥ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺪﺓ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﻄﻼ‌ﻕ. وﻗﺎﻝ العلَّامة ﺍﻟﺨﻄﻴﺐ ﺍﻟﺸﺮﺑﻴﻨﻲ الشافعي رحمه الله في كتابه: “ﻣﻐﻨﻲ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻤﻨﻬﺎﺝ” (3/244): “ﺗﺘﻤﺔٌ: ﺇﺫﺍ ﻃﻠَّﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﻗُّﻒ.. ﻓﺈﻥ ﺟﻤﻌﻬﻤﺎ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻗﺒﻞ ﺍﻧﻘﻀﺎﺋﻬﺎ ﺗﺒﻴَّﻨﺎ ﺻِﺤَّﺘَﻬﺎ، ﻭﺇﻻ‌ ﻓﻼ‌. ﺍﻫـ.

بناء عليه: فإنْ عاد الزوج المرتدُّ إلى الإسلام قبل انقضاء مدة العدة فقد وقع الطلاق ويكون رجعيًّا إذا كانت الطلقة الأولى أو الثانية -والعدة في هذه الحالة تكون من وقت حصول الطلقة- وإلا بانت منه فلا يّحِلُّ له أن يُرجِعَها؛ لأنها الطلقة الثالثة، وإن لم يرجع إلى الإسلام وانقضت مدة العدة فقد تبيَّن انفساخُ عقد الزواج، وبالتالي فلا يعتبر الطلاق واقعًا لكن العقد انفسخ وانقضت العِدَّة.

والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *