أراد التوبة، ماذا عليه أن يفعل كي تكون توبة نصوحًا لا عودة فيها؟
الفتوى رقم: 1160 السؤال: إذا ارتكب الإنسان معصية وأراد التوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، فماذا عليه أن يفعل كي تكون توبة نصوحًا لا عودة فيها؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [سورة آل عمران: 135، 136]. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (1/408): وقوله (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي: تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب ولم يستمروا على المعصية ويصرُّوا، مُقلعِين عنها ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه. انتهى.
قبول التوبة من الذنوب وإنْ تكررت الذنوبُ والتوبة
وروى البخاريُّ ومسلم في صحيحَيْهما عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يقول: “إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا (وَرُبَّمَا قَالَ: أَذْنَبَ ذَنْبًا) فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ (وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ) فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا (أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا) فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ (أَوْ أَصَبْتُ) آخَرَ فَاغْفِرْهُ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا (وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا) فقَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ (أَوْ قَالَ: أَذْنَبْتُ) آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا..” الحديث. وقد بوَّب الإمام النوويُّ رحمه الله في شرح صحيح مسلم (17/75) على هذا الحديث قوله: باب “قبول التوبة من الذنوب وإنْ تكررت الذنوبُ والتوبة”. وقال في شرحه: “هذه المسألة تقدمت في أول كتاب التوبة، وهذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها، وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر، وتاب في كل مرة: قُبلت توبته، وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صَحَّتْ توبتُه”. انتهى.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى- في “كتابه جامع العلوم والحِكَم” (1/165): قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: “أيها الناس مَن أَلمَّ بذنبٍ فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر وليتب، فإنما هي خطايا مطوَّقة في أعناق الرجال، وإن الهلاك في الإصرار عليها”. ومعنى هذا: أن العبد لا بد أن يفعل ما قدِّر عليه من الذنوب، كما قال النبيُّ ﷺ: “كُتب على ابن آدم حظُّه من الزنا، فهو مُدْرِكٌ ذلك لا محالة..” ولكن الله جعل للعبد مخرجًا مما وقع فيه من الذنوب، ومحاه بالتوبة والاستغفار، فإنْ فَعَلَ فقد تخلَّص من شرِّ الذنوب، وإن أصرَّ على الذنب هلك”. انتهى.
شروط صحة التوبة
بناء عليه: فالتوبة واجبة على العبد، وشروط صحتها: ندم، وإقلاع أي ترك للمعصية، وعزم على عدم العودة إليها، فإذا تعلَّقت المعصية بالناس فلا بد من شرط رابع: وهو رَدُّ المظالم والحقوق إلى أصحابها، أو أن تطلب منهم السماح في الدنيا إذا لم يترتب على ذلك فتنة أو مشاكل وخصام. والله تعالى أعلم.
أسأل الله لنا ولك الثبات، وأكْثِر من دعاء رسول الله ﷺ: “اللهم يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك” والله تعالى أعلم.