ذكرى الهجرة النبوية.. استرداد معاني العزّة والفَخَار | رسالة جمعية الاتحاد الإسلامي للمسلمين بمناسبة بداية العام الهجري ١٤٤٢

ذكرى الهجرة النبوية المباركة.. استرداد معاني العزّة والتصميم على تحقيق الأهداف

ذكرى الهجرة النبوية المباركة استرداد معاني العزّة والتصميم على تحقيق الأهداف | رسالة جمعية الاتحاد الإسلامي للمسلمين بمناسبة بداية العام الهجري ١٤٤٢هـ

فُجِئَ الكهفُ الغائر في جبل ثور جنوبَ مكة بخيرِ البَريّة رسول الله ﷺ وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه وهما يَلِجانه متخفّين به عن أعيُن قريش، فنَعُمتْ بهما أحجارُه، وأنارتْ بهما عتمتُه، وطار ذكرُه بالآفاق بعد أن نزل فيه قرآنٌ يتلى: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾. إنّها الهجرة، ليست ذكرى قومٍ استعدَوْا قريشاً بأن سفّهوا أحلامها وعابوا آلهتها، فنابذتهم العِداء وَسامَتْهم ألواناً من العذاب حتى فرّوا بأرواحهم زُرافات ووُحدانا، بل هي حَجَر الأساس لتشييد دولةٍ عادلة؛ الضعيفُ فيها قويٌّ حتى يؤخذ الحقُّ له، والقويّ فيها ضعيفٌ حتى يؤخَذ الحقُّ منه.

وإذ تهنّئ جمعية الاتحاد الإسلامي المسلمين في ربوع الأرض بمناسبة هذه الذكرى الجليلة وافتتاح عام هجري جديد، فإنها تُهيب بهم أن يستردوا منها معاني القوة والتضحية والإيمان والصحبة والعدل واليقظة.

  • • لقد كان عبد الله بن أبي بكر يسمع من قريش ما يأتمرون به وما يقولونه في شأن رسول الله ﷺ وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر، وكان عامر بن فُهَيرة يرعى مع رُعيان أهل مكة، فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة تبعَ عامرُ بن فهيرة أَثَرَه بالغنم يُعفي عليه، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تأتيهما من الطعام إذا أمسَتْ بما يُصلحهما.
    فكان المعنى: “أنّ مكاسب الواحد قليلة مهما علت همّته وتنوّعت نشاطات دعوته، وإنّ قوة هذا الدين بالجماعة، التي يكون كلّ واحد منها في مقابل صاحبه” مثال هذه الصورة: ((المؤمن مرآة المؤمن؛ والمؤمن أخو المؤمن: يَكُفُّ عليه ضيعَتَه، ويحوطُهُ مِن وَرائه)) (رواه أبو داود في سننه بسند صحيح).
  • • استبقى رسولُ الله ﷺ عليّاً رضي الله عنه في مكّة ليردّ الأمانات إلى أهلها، ولِيَبيتَ ليلة هجرته في مضجعه فيُوْهِم القومَ الذين خطّطوا لقتل رسول الله أنه مازال في بيته، فيُبطؤون عن اللحاق به، فاكتسى بُرْدَ رسول الله ﷺ وتَسجّى في فراشه. فكانت مغامرة بالنفس، فلم يَعبأ بأن تثور ثائرةُ الغضب في نفْس واحدٍ من المتربّصين فينتقم منه فيقتله بعد أن استيئس من الإمساك برسول الله ﷺ.
    فكان المعنى: “ليس الإيمان بالتحليّ ولا بالتمنّي، بل بالتضحية بالنفس في سبيل الدين، وليس بالتضحية بالدين في سبيل الأهواء الشخصية والمنافع الماديّة”.
  • • عندما باءت جهودُ قريش المضنية بالفشل في العثور على رسول الله ﷺ أغرَت مَن يَعثر عليه بمكافأة قدرها مئة بعير، فكانت من نصيب سُراقة بن مالك لولا أنه كاد يَهْلِك عندما ساخت به فرسُه، فاستنجد برسول الله فنجدَه، وطلب منه أن يرجع ويُعمِّي عنهما الطلب، فرضيَ سراقة وعاد.
    فكان المعنى: “أنّ من الإيمان عجباً أن يذهب سراقة يطارد رسول الله طمعاً بنيل جائزة عاجلة ثم يعود إنساناً آخرَ، فقد استحال جنديّاً أميناً، يَعِدُه رسولُ الله ﷺ بجائزة آجلة، وهي أن يشهد حضارة الإسلام وهي تطيح بحضارة فارس: ((كَأنِّي بِكَ قَد لَبِستَ سِوارَيْ كِسْرَى!.))”.
  • • في وقت كان أبو بكر خائفاً على رسول الله ﷺ، يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطن له رسولُ الله ﷺ، فقال: ((يا أبا بكر، ما لَك تمشي ساعة بين يَديَّ وساعة خلفي؟)) فقال: يا رسول الله، أذكرُ الطَّلَب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرَّصَد فأمشي بين يديك. فقال: ((يا أبا بكر، لو كان شيء أحببتَ أن يكون بك دوني؟)) قال: نعم، والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك.. (رواه الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح).
    فكان المعنى: “أنّ أعظم عاطفة تلك التي تُبذل في سبيل الله، وإنَّ أجلّ الصحبة هي صحبة الإسلام”.

• كان قد أهمَّ الناس شأنُ المرأة المخزومية التي زلّـت عن ضَعف فسرقَتْ في الدولة الجديدة التي أسسها رسول الله ﷺ بعد الهجرة، فكلّمه أسامة فيها، فقال رسول الله ﷺ: ((أتشفَعْ في حدٍّ من حدود الله؟!))، ثم قام فخطب ﷺ، ثم قال: ((إنما أهْلَك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأَيْم الله، لو أنّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدها)). (أخرجه مسلم والنسائي).
فكان المعنى: “أن الدولة القوية هي التي تسوّج نفسها بهذا الدستور: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾، لا بالمحسوبيات وحماية اللصوص والفاسدين”.

  • • بعدما أُبرمت وثيقةٌ بين الرسول واليهود بعد الهجرة، وتقوّتْ دولة الإسلام وتجذَّرت، بدأ اليهود يتحيَّنون الفُرَص للغدر بالمسلمين، فكان أوَّل من غدر منهم بنو قَيْنُقاع عندما اعتدَوْا على حجاب امرأة مسلمة في سُوقهم وكشفوا عن عورتها، فحاصرهم رسول الله ﷺ بجيش من المسلمين حتى أجلاهم عن المدينة، ثم تبعهم بنو النضير عندما دبّروا مؤامرة لقتل رسول الله وهو عندهم في مجلسهم، إذ أَمروا من يُلقي عليه صخرة من أعلى السطح فكشف الله أمرهم فأجلاهم رسول الله. ثم تبعهم بنو قُرَيظة فغدروا بالمسلمين في غزوة الأحزاب عندما نقضوا العهد وانضموا للمشركين.
    فكان المعنى: “أن صهاينة اليوم هم حفدة أولئك الغادرين الذين نقضوا عهدَ رسول الله، وإنّ مدّ اليد لهم بالتطبيع مجازفة كبيرة بالعباد والبلاد”.

هذه بضعة معانٍ مستوحاة من ذكرى الهجرة، يتعلّم منها المؤمن اليوم كيف يقف عند حدود الحق وإن لم يتحقق، وكيف يحتقر الباطلَ وإن حكم وتسلط، وكيف يتبرّأ من الأثَرة وينضمُّ للجماعة، يتعلم منها كيف يتقدّم، ويكون الإسلام أولويةً في حياته، وكيف يكون منارةَ هدى ورُشدٍ لمن حوله.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *