سحر المصري -رحمها الله- وعبق الذكريات

كم يحزّ في النفس ويؤلم الفؤاد أن تخطّ الأناملُ ذكرياتٍ عن غالٍ غاب، وعزيزٍ تشتاقه الروح.
فحريّ بنا أن نكتب عن مشاهد رائعة من حياتها؛ لها منّا الوفاء، ولنا فيها القدوة الحسنى.

سحر المصري.. الابنة

البداية مع والدتها الحاجة أمينة مكاري التي أسالت الدمع في المقل بحديثها عن ابنتها فقالت:
كانت رحمها الله وأسكنها فسيح جناته تملك كماً هائلا من الحنان والحُبِّ أحسّ به كل من عرفها.. كانت أماً لي قبل أن أكون أنا الأم.. تُغدق عليّ من محبتها ورقّتها واهتمامها الشيء الكثير.. هي من أصحاب النفوس الكبيرة التي تدرك أن النجاح لا يولد إلا من رحم العمل المتواصل الجاد، تملك الجرأة والشجاعة وعدم الخوف من الإصابة بالفشل.

لها في كل عمل إنتاج.. وفي كل اجتماع فكرة، وفي كل موضوع إضافة، وفي كل نشاط مشاركة؛ عندها تحدٍّ كبير، وعقلها مُشبَع بنمط تفكير ثائر على الواقع، مُتمرِّد على الهزيمة، مُستَعصٍ على الارتهان، وكانت تجيد وتجيد القدرة على التحدث والإقناع.. محاورة لبقة، صبورة على الشدائد، عاملة دوماً لإعلاء كلمة الله.

عالية الهمة تسعى دائماً لأن تكون عنصراً إيجابياً في الحياة. تحب في الله وتكره لله. كان السلف الصالح قدوتها في الحياة وكان ثابتاً في وجدانها قول الفاروق رضي الله عنه: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”.. كانت ابنتي وصديقتي ورفيقة دربي.. هي الرئة التي أتنفس بها .. ولكنها الأقدار تجري بحكمها علينا وأمر الغيب سِرٌّ محجوب.

علاقتها بابنتها مميزة جداً، تعاملها كأخت وصديقة لها، علاقة مبنية على الاحترام والثقة والوضوح. هي أم واعية، هادئة لا أذكر أنها وبختها يوماً على عمل بل تحاول دائماً أن تُريها الحق حقاً والباطل باطلاً وهي عليها أن تختار ما يرضي الله أولاً.. تُعزز ثقتها بربها ثم بنفسها.. زرعت فيها بزور الإيمان والعزة والثقة بالنفس والعمل الصالح.

لقد أضافت لــــي الكثـــير في حياتــــهـــا.. كـــنا نعيـــش بإسلامنا على الهوية فغيرت بإيمانها وإنسانيتها وروحــانيتها حياتنا، والتزمنــــا بالدين الحــنــــيـــــــف ولله الحمــد، وأدركنا المــعــنــــى وفهمنـــا القصـد وخيَّم على العائلة الشعور بالراحة والطمأنينة والسكينة النفسية.. وبعد رحيلها أكتفي بهذا البيت من الشعر:

وكنتِ في حياتك لي عظات * وأنت اليوم أوعظ منك حياً

هناك مواقف كثيرة لا تُعَدُّ لا أنساها منها: يوم التزامها باللباس الشرعي في بيروت، ولما حضرت إلى طرابلس قالت جملتها التي لا تزال محفورة في حناياي “دعيني أعبد الله كما أحب”.. وكانت هذه الجملة بداية التغيير في حياتي، ويوم قررتْ إنشاء (جمعية مودة ورحمة) تعلمت مـــنـــهـــا: الـــصـبر والـتـصــمــيم والعزيـــمــة والالتزام بالغير ومساعدته.

مرحلة المرض كانت من أصعب المراحل التي مررت بها في حياتي.. أن ترى قطعة منك أو كلَّك تزوي يوماً بعد يوم في تسارع عجيب، أما هي فكانت محتسبة وصابرة، كانت تتكلم عن مرضها وكأنه عن مرض امرأة أخرى فتقطع الطريق على من يريد مواساتها.

كانت تقول عن مرضها عطية من الله ومنة، وعندما تتكلم عنه تقول: أكرمني الله به. هي من تزرع القوة في نفسي وطالما هي قادرة كانت تتابع أعمالها وكأنها تعيش أبداً؛ ولا أنسى مواقف زوجها الذي وقف إلى جانبها وساندها بالابتسامة الدائمة والحنو والعطف وبالحب الصادق..أعطاها دفعاً من الثقة والقوة والقدرة على مواجهة الآلام.. وكانت تقول لي: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. وهنا أشكر الجميع؛ الإخوة والأصحاب والأهل والأحباب الذين واسوني في مصابي، لهم مني جزيل الشكر حفظهم الله من كل مكروه.

متــعـــنــي الله بصحبتها 48 سنة وهي إنما كانت وديعة من ودائع الله أعـــــــــــارنيها فترة من الزمن ثم استردها فله الحمد والشكر على ما أعطى وعلى ما أخذ.. ستجدني إن شاء الله محتسبة صابرة ولا أقول إلا ما يرضي الله والحمد لله..

توخّى حمام الموت أوسط حبيبتي * فلله كيف اختار واســطــة العقد
طواه الردى عني فأضحى مزاره * بعيداً على قرب.. قريباً على بعد

سحر المصري.. الأم

مريم السلطي ابنة سحر المصري؛ كتبت عن أمها بدمع العين فخطّت أناملها هذه الكلمات:
أمي كانت في كل شيء مدرسة؛ إن أردتُ أن أرتقي يوماً مدارج الحياة.. كانت ولم تزل.. أمي في الحُنّو والخير والحب أعين تروي وما تجِف… وعند الظلم والألم براكين اتقاد..

أمي لم تخلع البسمة عن مُحيّاها.. علَّمتني أنَّ المحن ما هي إلا منحٌ…

علَّمتني أمي أن أتسربل بالقناعة والحُبّ.. وأنظر بعين الرضا والخضوع.. وأتعلق بحبل الله المتين، وأن أعمّر قلبي بذكره جلَّ في عُلاه، وأسعى لتطبيق ونشر دينه.. وأن أتهيأ لقول ما يليق أمام عفوٍّ الله الكريــــم..

إن كـــــــــان الأهل يساندون مريـــضــــهـــــــم في ضعفه… فـــــيوم علــــمــــنا بمرضــــهـــا التي ماتت به. فرَّت الكلمات من أفواهنا.. وكانت صدمة لــــــروحي التي تأصَّل تعلقها بها، أمـــــــا هي فساندتنا كــما عوَّدَتْنا، لم تكن لتحزن أو تخاف؛ بل تأصلت جذور الرضا بقضاء الله كمن فرح بالمسارعة للقائه.. كانت هي مَن نستمد منها قوَّتنا عندما نخاف عليها من التعب، فتتلقّى كل خبر عن مرضها بتسليم وبسمة.

هي التي قوَّتنا على مصابها، وساعدتنا على فراقها. لليوم لم تزل بذور الصبر والرضا التي نَمَتْ جذورها في أرواحنا تنبت فينا علَّها تُونِعُ مغفرةً من الله.. وكم سيحلو يومها اللقاء.. ظفر المرض منها بالجسد.. أما الرُّوح فما قدر عليها أحد.. إلا الفرد الصمد..

سحر المصري … مدرسة في مرضها

الأخت فاطمة رمضان من الأخوات اللاتي رافقن سحر المصري في مسيرة مرضها، ولقد سجّلت انطباعاتها على صفحات مجلتنا؛ فكان ممّا قالته عن تلك الفترة المؤثِّرة:

ما زلت أذكر حيث أبلغتني خبر إصابتها بالمرض الخبيث، وقد نقلت إليَّ الخبر مغلّفاً بالرضا والتسليم والسكينة، فقد كانت كلماتها مشبعة بكل تلك المعاني، ونبرة صوتها هادئة بما يشيع السكينة في نفسها ونفسي، فدعوتُ الله لها بالشفاء وزوال الغمَّة، فأيُّ روح كانت تلك التي تواسي من حولها بمصاب نفسها الأليم؟!!

وبعد أن بدأت الرحلة بين المرض والعلاج، بين الضعف والقوة، بين تحسُّن الصحة وتراجعها، كانت السند القوي لمن حولها بتحمُّل مصاب مرضها! فواعجباً ممن يواسيك لتتماسك في مرض نفسه! فللَّه درُّها..

أما عن أحوالها في مرضها فكان الأمل بالله: “لن أفقد الأمل طالما اسمك الرحمن” ومضت تكمل طريق الدعوة: العمل للأســــرة، الاستشــــــــارات الأســـــرية، المشـــاركـــــــة بالنشـــاطات الـدعـــــويـــــة، الاهتمام بمن تطرق بابها والإســــــراع في معـــــــالجــة قضيتها…

رافقتها عن قرب في مرضها فتعجبت لصبرها، ولَكَم كان صبرها يُقوّي من صبري ويزيد من تهدئتي، ولقد كان يقوِّي هذا الصبر في وجدانها مفهومها العميق لحال الابتلاء والثواب ورفع الدرجات.

من ذكرياتي معها في بعض أحوال مرضها: أنني كنت أرافقها إلى المشفى في بعض جلسات العلاج، وأثناء انتظار انتهاء الجرعة كانت تحادثني وتمازحني، وتعمل على أن نقضي وقتاً طيباً معاً؛ وكأننا لسنا في المستشفى، وحين تدخل إلينا إحدى الممرضات أو الطبيبات كانت تستقبلهن بوجه بشوش وكلمة طيبة، وتشكر كل واحدة منهن، فما خرجت الواحدة منهن إلا وفي نفسها انطباع جميل عن صاحبة الروح الجميلة، وقد تتألم عند وخز الإبر في جسدها لكنها كانت تكتم ثم تبتسم للممرضة الواخزة وتشكرها، لقد كانت داعية إلى الله بحسن المعاملة حتى في أحلك الظروف.

سحر.. في جمعية الاتحاد الإسلامي

أما عن مشوارها الدعوي في جمعية الاتحاد الإسلامي فأخبرتنا مديرة القسم النسائي الداعية إيمان رمضان:

تعرفت على الأخت سحر قبل زواجها من الشيخ حسن قاطرجي بعدة شهور. كانت يومها تزور المراكز الإسلامية لعرض مـــشروعها الأســـــــري (مــــودة للإرشاد الأسري). وقد لمست شغفها وإصـــرارهـــا علـــى المضي بمشروعها حتى لو لم تتجاوب معهــــا المؤسسات، فهــي كـــــان لها جمهورها؛ لكنها كانت تسعى ليعمَّ الخير ضمن أواسط الأُسَر المسلمة إيماناً منها بوجوب وجود تخصص يرعى شؤون الأسرة، وليس الخبرة والنظرة العامة في مجتمع اختلطت فيه المفاهيم وبُعد الناس عن دينهم الذي يستقون منه الحلول لمشاكلهم الأسرية.

ثم بدأت مسيرتها الــدعويـــة في جمعية الاتحاد الإسلامي بعد زواجهـــــا. طبــــعاً كان تركيزها على لجنة المرأة والأسرة_ حنايا _ التي أسستها مع ثلة من المتخصصات. لكن ذلك لم يمنعها من استخدام ذكائها ومهاراتها المتعددة وخبرتها المتراكمة من طرح الأفكار وإسداء النصح في كافة لجان الدعوة، ولا أنسى دورها البارز والمؤثر مع الصبايا.

لاحظت مذ عرفتها لباقتها بالتعامل مع الأخوات؛ الجديدات منهن بمهارة تواصل عالية وراقية لجذبهن، والقديمات كذلك للمزيد من تثبيتهن وتجديد فعاليتهن.

وحين أُطلق عليها لقب فراشة الدعوة البيضاء، فعلاً تذكرتها كالفراشة. فكانت رحمها الله عندما تزور القسم النسائي لعقد اجتماع أو أخذ استشارة في مكتب لجنة حنايا هناك؛ كانت في الوقت الإضافي تتنقل كالفراشة بين لجان القسم النسائي تترك لمستها في كل مكان، وتعطي مشورتها. فصفة المستشارة لا تفارقها، وهذا يشكل القمة في فعالية المسلم الداعية.

ولا ننسى أنها ذات باع طويل في التجارب الدعوية والحياتية الاجتماعية، فكانت رحمها الله ذكية في دراستها، وحوّلت عصارة تجربتها وتخصصها لخدمة دينها ومجتمعها.

الأثير يفتقدك

وتحدث مدير إذاعة الفجر الأستاذ أيمن المصري عن مسيرتها الإعلامية في الإذاعة فقال:

خلال مسار عملنا في إذاعة الفجر وعلى مدى ثماني سنوات، انضمّ لأسرة الإذاعة زملاء كثيرون وغادرنا آخرون، منهم مَن يكون مروره عابراً لا يترك أثراً، ومنهم من يحفر بصمة في نفوس زملائه ومستمعيه من متابعي برامجه، وذلك لميزة استثنائية في شخصيته أو أدائه.

الزميلة الراحلة سحر المصري لم تكن شخصاً عابراً أو عادياً يسهل نسيانه بعد غيابه، وذلك لأسباب عديدة تميزت بها رحمها الله:
لقد كانت تعدّ وتقدّم برامجها من منطلق الرسالة وليس الوظيفة أو حتى الهواية. وهنا سأسمح لنفسي أن أكشف أن الزميلة سحر التي قدّمت على مدار ستّ سنوات 293 حلقة في برامج عديدة.. لم تتقاضَ من إذاعة الفجر ليرة واحدة، بل كانت متطوعة راضية عن طيب نفس، مع أن قبولها بدلاً مالياً لا يعيبها، فهي تبذل جهداً في إعداد وتقديم برامجها؛ لا بل كانت تتكبد أحياناً مصاريف الانتقال بين طرابلس وبيروت لتسجيل أو بث برامجها..

الميزة الثانية للزميلة سحر كانت حبّ زميلاتها لها، وأذكر أنها ما كان يمكن أن تدخل من باب الإذاعة مباشرة إلى الاستديو، بل كان لزاماً أن تسلّم على زميلاتها في الإذاعة، بروحها المرحة وعفويتها الطرابلسية، دون أن يعنيها انتماء حزبيّ هنا أو خلاف فكريّ هناك.

الراحلة سحر ما كانت ترضى أن تتقدم خطوة إلا أن تكون متمكّنة متخصصة، موقنة أنها تقدّم قيمة مضافة. وأذكر أنني عرضت عليها _ رحمها الله _ عند بدء دراستها الماجستير في علم النفس أن تقدم برنامجاً في هذا التخصص، لكنها رفضت قائلة: “أنا الآن باحثة ولست متخصصة”. وقد احترمت فيها هذا الموقف.

الراحلة سحر لم تدرس اختصاص الإعلام، لكن صدق رسالتها وعفوية شخصيتها ومتعتها بما تقدم.. هذه الصفات جعلتها متابَعة من مختلف الشرائح.

لقد قدّمت الزميلة الراحلة سحر في إذاعة الفجر سبعة برامج، على مدى ست سنوات، ولقد كان الجزء الرابع من برنامجها “علّمتني الحياة” مدرجاً على شبكة برامج دورة 2016، وقد كتبت الحلقتين الأوليين، لكن مرضها حال دون التسجيل.. وحرصاً مني على بث برنامجها، وأنا العارف بأنّ هذا الجزء من “علّمتني الحياة” سيكون ذا نكهة خاصة تختلف عن سابقاتها بسبب المرض وعِبَره، عرضت عليها أن تقوم بتسجيل الحلقات في بيتها وعلى فراش مرضها.. لكن تراجع حالتها الصحية حالت دون ذلك، ثم قضى الله أمره.

سحر.. الصديقة والأخت الأثيرة

ماذا عن سحر الإنسانة والصديقة؟ تقول الأخت الأستاذة سهاد عكّيلة:

حظيت خلال هذه الفترة بصداقة سحر؛ أخوَّتِها وخالص محبتِها ومودتِها لثلاث سنوات.. تحاببنا في الله، التقينا على طريقة التفكير، رغم اختلاف طباعنا. جمعتنا هموم الدعوة، شؤونها، وشجونها.. داخل الجمعية وخارجها..

سحر التي تربت في مدرسة راهبات، قد أحسن بها ربها إذ اهتدت لحقيقة الإسلام، واعتناق عقيدة الولاء والبراء.. وكان لها أبلغ الأثر في عائلتها..

شُغفتْ بالعمل الإسلامي حبّاً، وكانت مهتمة بقضايا الأمّة: مكّيّةَ القلب، فلسطينية الروح، شامية الهوى والهوية.

وقد مرّت بعدة ابتلاءات، منها انفصالها عن زوجها _ والد مريم _ بخُلع.. فوضعت إصلاح الأسرة المسلمة هدفاً لها، وسعت جاهدة لتحقيقه، فكانت جمعية مودة، حيث تحدَّت كل العراقيل التي واجهتها لتأسيسها والمحافظة على استمراريتها.. وعندما انتقلت إلى بيروت، تابعت مسيرة العطاء في الجمعية.. حتى ابتلاها الله بآخر المحن.. حيث رفعت شعار: راضية وأحنّ.. عاشته واقعاً شَهِدَتْه..

حَباها الله بعدد من الصفات التي ميّزت شخصيتها، منها الكاريزما التي جمعت حولها القلوب، الإيجابية، حب العطاء، والذكاء الاجتماعـــــي… وكـــــــان الوضوح سِمة بارزة في شخصيتها، مما كان يريح من يتعامل معها، وكان إتقان العمل عَلَماً على أدائها، لا ترضى دون مستوى التميّز.

خسرتها الدعوة الإسلامية في لبنان.. نعم.. ولكنها كسبتْ روحاً ملهِمة لن تموت بغياب الجسد..

خسرتها جمعية الاتحاد الإسلامي.. نعم.. ولكنها كسبتْ فرداً بتميّزها؛ انتمى إليها وترك بصمة عميقة فيها.

خسرتها والدتها، ابنتها، أخواتها.. نعم.. ولكن عائلتها ازدادت بحب الناس لها.

خسرتها صديقاتها.. خسرها محبُّوها.. نعم.. ولكنهم ربحوا في حياتهم قدوة في العطاء وحب الخير للناس.

وهي إذ تنعّمتِ بمحبة مَن حولها.. فقد تذوقتْ جنة الدنيا… والله سبحانه إذا أحب عبداً وضع له القَبول في الأرض.. ونرجو الله لها النعيم الخالد.. وجمعنا وإياها في الفردوس الأعلى مع سيد المرسلين.

سحر.. الزميلة

أما عن سحر الإعلامية الزميلة؟ فحدثتنا عن ذلك الإعلامية الأستاذة مي قوزي وعن إضافات سحر المتنوّعة في هذا المجال:
عندما قابلتها لأول مره شخصياً.. تركت في قلبي ومشاعري أطيب الأثر.. دعوتها وقتها لتكون ضيفة في برنامج عبر إذاعة الفجر (هكذا تحجبت)، لفتتني كلماتها عن طريق الالتزام والحجاب بعفوية محببة للسامع وابتعادها عن التصنع، وتحدثت حينها عن تحولها إلى الالتزام بأسلوب رائع.. كان للوقت ثمن كبير لديها…

كنت لا أراها في الإذاعة هادئة بل في بحث وعمل ونقاش أو درس وتحضير للامتحـــــانــــات الجامعية.. عمل مستمر وهمّة عالية… وكأنّها تتسابق مع الزمن لتحقيق أكبر كمٍّ من الإنجازات.. متابعتها للأمور الدعوية والخيرية والعائلية والإعلامية والتنظيمية للجمعيات التي تشرف عليها وتنتسب إليها في مناطق عدّة بين الشمال والعاصمة بيروت… كانت في سباق دائم نحو التميّز وفي تحدٍّ مستمر مع نفسها.. وكأنك كنت تعلمين أنّ الأجل قريب ولا وقت لأي ثانية تضيع بلا فائدة…

في المجال الإذاعي.. ماذا أضيف لما قدَّمَتْه؟

قدّمتْ برامج هادفة هي عصارة تجارب سنين… كلماتها كانت عبر الأثير دروساً وتجارب وخفقات قلب، عايشت المجتمع ونقلتْ كل الهمسات والنصائح بصدق وشفافية عبر الإذاعة… كسرتْ بشخصيتها كلّ الحواجز وبقوّة لإيصال صورة المرأة الملتزمة إلى القمة.. امرأة منقبة تدخل مجال الإعلام وتعلو إلى مرتبة التميُّز.. وترسم أجمل صورة بحجابها ونقابها وبشخصيتها الفذّة وإصرارها على إعلاء مكانة المرأة المسلمة الملتزمه عالياً في كل مكان.. ونجحت مقاصدها… رحمها الله.. سأفتقد لباقتها وابتسامتها البلسمية…

كانت إنسانة تتقن لغة الحياة وفنون الإنصات والتواصل بجدارة… كانت تُشعر كلَّ مَن يتحدث إليها بأهمية بالغة.. كانت نِعْمَ الزميلة الصبورة البشوشة؛ التي ستبقى صورتها موشومة في الذاكرة…

سحر الحانية والناصحة

ولسحر رحمها الله بصمات على كلّ مَن عرفها.. ومنهن الأخت نازك فرشوخ سكرتيرة تحرير مجلة إشراقات:

سحر.. كما عرفتها: الإنسانة المتواضعة.. المتعاونة.. الصبورة.. اللينة.. البشوشة.. المرحة.. وصاحبة الذوق الجميل..

رحلت سحر ولا زلت أحتاجها.. فلقد كان لها دور كبير في تطوير أدائي بالعمل في الأمور الفنية (من حيث الإخراج الفني؛ إن كان على صعيد المجلة أو الإعلانات) فهي مَن شجعتني على حب هذا العمل، فقبل القيام بالتصميم أَتصل بها لتساعدني بالفكرة التي أنطلق منها، ولا تتركني حتى أُنهي الفكرة التي بدأتها.

لم تنزعج يوماً.. بل على العكس كانت تشعرني دائماً بأنها ترغب وتحب أن أعود إليها لتساعدني مجدداً، ولذلك كنا على تواصل مستمر واعتَدْتُ على ذلك.. حتى في مراحل مرضها الأخير رحمها الله حيث كانت تستقبلني في منزلها ونعمل معاً.. هذا المنزل الذي لطالما كان ملجئي..

******

رحمك الله يا سحر.. فقد أشتاقت لكِ الجنان بإذن الله؛ بعد أن تركت بصمة في ساحات العمل الإسلامي… وأعمق منها في القلوب والعقول. نسال الله لكِ الفردوس الأعلى ورضواناً من الله أكبر.

في العدد المقبل بإذن الله نتابع الحوارات مع من شارك الأخت سحر المصري رحمها الله اهتمامها بقضايا الأمة وعلى رأسها : فلسطين، وتخصصها بالرسالة التي نذرت نفسها لأجلها، وهي : (سعادة الأسرة المسلمة).

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *